لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [الأنبياء: 22]. أي: لو كان في السماوات والأرض آلهة معبودون غير الله، لبطلتا بما فيهما من المخلوقات، وخرجنا عن نظامهما المشاهد، وهلك من فيهما؛ لوجود التمانع من الآلهة على العادة عند تعدد الحاكم؛ من التمانع في الشيء، وعدم الاتفاق عليه؛ لأن كل أمر صدر عن الاثنين فأكثر، لم يجر على النظام، ويدل العقل على ذلك. وقال تعالى:
قيل: هذا دليل إقناعي بحسب ما يفهمه المخاطب، وبحسب ما فرط منهم.
قاله الحفناوي، والتفتزاني.
والصحيح: أن الآية حجة قطعية الدلالة، والقول بأنها حجة إقناعية قول منكر، والكلام على تفصيل هذا الإجمال يطول جدا.
وأقول: في هذا المقصود، وليس وراء بيان الله بيان، ودونه خرط القتاد. [ ص: 38 ] الأدلة القرآنية، والحجج الفرقانية على توحيد الله تعالى تغني عن البراهين الكلامية، والمسائل العقلية، والدلائل الفلسفية
قال الرازي: القول بوجود إلهين يفضي إلى المحال، ثم ذكر دلائل ذلك، وقال: هذه حجة تامة في مسألة التوحيد، والفساد لازم على كل التقديرات التي قدروها.
وإذا وقفت على هذا، عرفت أن جميع ما في العالم العلوي والسفلي من المحدثات، والمخلوقات، والكائنات فهو دليل على وحدانيته تعالى.
وأما الدلائل السمعية على التوحيد، فكثيرة طيبة في القرآن، وفي الأحاديث.
فسبحان الله رب العرش عما يصفون ؛ أي: تنزه عما لا يليق به من ثبوت الشريك له.
وفيه إرشاد للعباد إلى تنزيهه سبحانه عما لا ينبغي له، ولا يليق به.
وقال تعالى: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون [الأنبياء: 25].
فيه تقرير الأمر التوحيد الذي نطقت به الكتب الإلهية، وأجمعت عليه الرسل، وقد صح به دليل النقل، ودليل العقل، وقامت عليه حجة الله تعالى.
وقال تعالى: فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين [الأنبياء:87]
هذا القول من «يونس» -عليه السلام- اعتراف بوحدانيته تعالى.
أوله تهليل، وأوسطه تسبيح، وآخره إقرار بالذنب، وتوبة من الخطيئة.
قال ذلك وهو في بطن الحوت.
فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين الداعين بهذا الدعاء المشتمل على خالص التوحيد المطلوب من العباد.
وقال تعالى: إن هذه أمتكم أمة واحدة [الأنبياء: 92] أي: إن هذا دينكم دين واحد لا خلاف بين الأمم المختلفة في التوحيد، ولا يخرج عن ذلك إلا الكفرة المشركون بالله.
[ ص: 39 ] وأنا ربكم فاعبدون خاصة، لا تعبدوا غيري -كائنا ما كان-.
وقال تعالى: قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد [الأنبياء:108]؛ أي: إن الذي يوحى إلي هو أن وصفه تعالى مقصور على الوحدانية، لا يتجاوزها إلى ما يناقضها، أو يضادها فهل أنتم مسلمون ؛ أي: منقادون مخلصون للعبادة، ولتوحيد الله.
والمراد بهذا الاستفهام: الأمر؛ أي: أسلموا.
وقال تعالى: فإلهكم إله واحد فله أسلموا [الحج: 34]؛ أي: انقادوا، وأخلصوا، وأطيعوا.
وتقديم الظرف على الفعل للقصر.
وقال تعالى: ذلك بأن الله هو الحق [الحج: 62]؛ أي: ذو الحق.
فدينه حق، وعبادته حق، ونصره لأوليائه على أعدائه حق، ووعده حق، ووعيده حق.
فهو -عز وجل- في نفسه، وأفعاله، وصفاته كلها حق.
وأن ما يدعون من دونه هو الباطل ؛ أي: إن الذي يدعونه إلها، وهي الأصنام، والأوثان، ونحوها، هو الباطل الذي لا ثبوت له، ولا لكونه إلها، أو المعلوم في حد ذاته:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وعموم الآية ناص على أن كل معبود من دون الله تعالى - كائنا ما كان من حيوان، أو جماد، ونبات - ذاهب فان زائل.ومن كانت هذه صفته، فهو لا يستحق الدعاء الذي هو العبادة، التي هي التوحيد. [ ص: 40 ]
وقيل: الباطل هو الشيطان.
وأن الله هو العلي الكبير ؛ أي: العالي على كل شيء من خلقه بذاته، المتقدم عن الأشباه والأنداد، المتصف بصفات الكمال، ونعوت الجلال والجمال، المنزه عما يقوله الظالمون، والمعطلون، والمتكلمون، الخائضون فيما لم يكن يصلح لهم الخوض فيه، وهو ذو الكبرياء الذي يصغر كل شيء سواه، وهو عبارة عن كمال ذاته، وتعظيم قدرته وسلطانه، وتفرده بالإلهية.
وقال تعالى: ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه [المؤمنون: 23]، وهو آدم الثاني لانحصار النوع الإنساني بعده في نسله، وعاش من العمر ألف سنة وخمسين.
فقال يا قوم اعبدوا الله وحده، وأطيعوه، ولا تشركوا به شيئا.
ما لكم من إله غيره أفلا تتقون وتخافون أن تتركوا عبادة ربكم الذي لا يستحقها غيره، وليس لكم إله سواه.