الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 182 ] نجاة أهل التوحيد

فإن سئل عن ذلك، وجد رأس أعمال أهل الجنة توحيد الله تعالى.

فمن أتى به يوم القيامة، فهو من أهل الجنة قطعا لا ريب فيه، ولو كان عليه من الذنوب مثل جبل رضوى، بل بلغ به إلى عنان السماء.

ورأس أعمال أهل النار الشرك بالله تعالى في أسمائه وصفاته، كائنا ما كان.

فمن مات عليه، جليا كان، أو خفيا، علانية كان، أو سرا، فهو من أهل النار قطعا لا شك، ولا شبهة في ذلك، ولو أتى بالعبادة ليلا ونهارا، وبالصدقة سرا وجهارا؛ كطوائف أهل الكتاب، والمجوس، والهنود، ومن مثلهم في شيء من ذلك.

ولكنه لما خلط هذا بالشرك بالله تعالى، لم ينفعه شيء من هذا، بل صارت عبادته لغير الله وبالا عليه، وموجبة له النار.

قال تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا [الفرقان: 23].

وقال -سبحانه وتعالى-: مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد [إبراهيم:18].

فرحم الله من انتدب لهذا الأمر العظيم قبل أن يعض الظالم على يديه.

يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا [الفرقان: 27].

نسأل الله أن يهدينا وإخواننا المسلمين إلى صراطه المستقيم، ودينه القويم، وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم، وهم الأحبار الذين لم يعملوا بما علموا، وحرقوا كتاب الله لفظا ومعنى، وطريق الضالين، وهم الفرقة التي عملت بما لم تعلم، واتبعت الهوى، وضلت عن صراط الهدى.

فما أعظم هذا الدعاء الذي نطقت به فاتحة الكتاب! [ ص: 183 ]

وما أحوج من دعا به أن يحضر قلبه! فإذا قرأ بها بين يدي الله يهديه، وينجيه.

فإن الله ذكر أنه يستجيب هذا الدعاء الذي في سورة الفاتحة إذا دعا به الإنسان من قلب حاضر.

فنقول: لا إله إلا الله، هي العروة الوثقى، وكلمة الله العليا، وهي الحنيفية السمحة السهلة البيضاء، وهي ملة أبينا إبراهيم -عليه السلام- سيد الموحدين، وإمام المتقين، وخليل رب العالمين.

وهي التي جعلها كلمة باقية في عقبه إلى يوم الدين.

وهي التي لأجلها، والتأهل بها خلقت المخلوقات، وبها قامت الأرضون السبع، والسماوات، وبها نطقت الموجودات، ولأجلها أنزلت الكتب، وأرسلت الرسل.

قال تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [الذاريات: 56]، وإن من شيء إلا يسبح بحمده [الإسراء: 44].

وقال تعالى: ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت [النحل:36].

والمراد: اعتقاد معنى هذه الكلمة الإلهية، والجملة القدوسية بالقلب السليم عن الشرك السقيم.

وأما التلفظ بها باللسان مع الجهل بمرادها، والعمل بمقتضاها، فليس من إخلاص التوحيد في صدر، ولا ورد، ولا ينفع ذلك نفعا، ولا يغني من عذاب الله شيئا، ولا يكشف ضرا؛ فإن المنافقين يقولونها، وقد قال تعالى فيهم: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار [النساء:145].

فهم تحت الكفار الساذجين؛ عقوبة على مخالفة لسانهم بجنانهم.

فاستحقوا من عقاب الله تعالى ما لم يستحقه الكفار. [ ص: 184 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية