الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قواعد العبادة

واعلم أن للعبادة أربع قواعد : وهي: التحقق بما يحبه الله ورسوله ويرضاه ، وقيام ذلك القلب ، واللسان ، والجوارح .

فالعبودية اسم جامع لهذه المراتب الأربع ، فأصحاب العبادة حقا هم أصحابها .

فقول القلب : هو اعتقاد ما أخبر الله به عن نفسه ، وأخبر رسوله صلى الله عليه وسلم عن ربه من أسمائه وصفاته وأفعاله ، وملائكته ، ولقائه ، وما أشبه ذلك.

وقول اللسان : الإخبار عنه بذلك، والدعاء إليه ، والذب عنه ، وتبيين بطلان البدع المخالفة له ، والقيام بذكره تعالى ، وتبليغ أمره .

وعمل القلب : كالمحبة له ، والتوكل عليه ، والإنابة إليه ، والخوف ، والرجاء ، والإخلاص ، والصبر على أوامره ، ونواهيه ، وإقراره ، والرضاء به ، وله ، وعنه ، والموالاة فيه ، والمعاداة فيه ، والإخبات إليه ، والطمأنينة ، ونحو ذلك من أعمال القلوب التي فرضها آكد من فرض أعمال الجوارح .

فقول العبد في صلاته : إياك نعبد [الفاتحة : 5] التزام أحكام هذه الأربعة ، وإقرار بها .

وقوله : وإياك نستعين طلب الإعانة عليها ، والتوفيق لها .

وقوله : اهدنا الصراط المستقيم [الفاتحة : 7] متضمن للأمرين على التفصيل ، وإلهام القيام بهما ، وسلوك طريق السالكين إلى الله -تعالى وتبارك - .

والله الموفق بمنه ، وكرمه .

هذا آخر كلام المقريزي -رحمه الله تعالى - في كتابه «تجريد التوحيد المفيد » ، ولله دره ، وعلى الله أجره ، فما أبلغ هذا البيان ، وما أشده هداية إلى صراط الرحمن ، وسبيل الإيمان ، وطريق الجنان ! [ ص: 330 ]

وما أجمعه لبيان الشرك ، وأنواعه ، وأقسامه ، وحقائقه ، وطرائقه !

ولعلك لا تجد مثله في هذا الباب .

وما أولاه -مع اختصاره في جامعيته - بأن يكتب بمداد ماء العيون الباكية على غربة الإسلام ، وأهله على صفائح صدور المؤمنين بالله ، وباليوم الآخر !

وسيأتي لهذه الأنواع من الإشراك بالله -سبحانه عما يشركون - بيان واضح في مطاوي الأبواب ، وفحاوي الكتاب ، ومعاطف الخطاب .

* * * [ ص: 331 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية