الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا [الكهف : 26] .

أفاد هذا التعجب أن شأنه سبحانه في علمه بذلك خارج عما عليه إدراك المدركين . وقرئ «ولا تشرك » بالتاء .على أنه نهي للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لله شريكا [ ص: 428 ] في حكمه . والمراد بحكم الله : ما يقضيه ، أو علم الغيب ، والأول أولى .

ويدخل علم الغيب في ذلك دخولا أوليا ؛ فإن علمه سبحانه من جملة قضائه تعالى .

وقال تعالى : قال فما بال القرون الأولى [طه : 51] ؛ كقوم نوح ، وهود ، ولوط ، وصالح في عبادتهم الأوثان ؛ فإنها لم تقر بالرب ، بل عبدت الأوثان ونحوها من المخلوقات .

فأجابه موسى -عليه السلام - قال علمها عند ربي هو من علم الغيب الذي استأثر الله به لا تعلمه أنت ، ولا أنا : في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى أضاف موسى هذا العلم إلى الله سبحانه ، ونفى ذلك عن نفسه .

فدل على أن الأنبياء لا يعلمون منه شيئا إلا ما يخبر به سبحانه إياهم .

وقال تعالى : عالم الغيب والشهادة [المؤمنون : 92] ؛ أي : هو مختص بذلك، وهذا دليل آخر على الوحدانية . فتعالى الله عما يشركون ؛ أي : أنه سبحانه متعال عن أن يكون له شريك في الملك ، أو في علم الغيب .

وقال تعالى : يسألك الناس [الأحزاب : 63] عن الساعة ؛ أي : عن وقت حصولها ، ووجودها ، وقيامها ، قل إنما علمها عند الله يعني : أنه سبحانه استأثر به ، ولم يطلع عليه نبيا مرسلا ، ولا ملكا مقربا ، وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ؟ .

قال في «فتح البيان » : الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لبيان أنها إذا كانت محجوبة عنه لا يعلم وقتها ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بغيره من الناس ؟ .

قال : وفي هذا تهديد عظيم للمستعجلين ، وإسكات للمتحينين ، والمشركين ، ولمن يثبت علم المغيبات للأنبياء والصالحين ، وغيرهم من الخلق أجمعين .

وقال تعالى : عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين [سبأ : 3] . [ ص: 429 ]

فيه رد على من يقول من الفلاسفة وغيرهم ، من أن الله يعلم الأشياء علما كليا ، ولا يعلمها علما جزئيا .

فهذه الآية الشريفة نص قاطع في محل النزاع ، وحجة بالغة إلى الأعداء والأحباء ، في كونه سبحانه عالما بالعمل الجزئي الشامل لكل ذرة من الخلق ، ومن جحده ، فقد كفر .

التالي السابق


الخدمات العلمية