الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال تعالى : إن الله عنده علم الساعة [لقمان : 34] ؛ أي : علم وقتها الذي تقوم فيه .

قال الفراء : معنى هذا الكلام النفي ؛ أي : ما يعلمه إلا الله .

وقال النحاس : وإنما صار فيه معنى النفي ؛ لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: في قوله : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو : أنها هذه وينزل الغيث ؛ أي : من الأوقات المضروبة له ، وفي الأمكنة التي جعلها معينة لإنزاله ، ولا يعلم ذلك غيره . قرئ من التنزيل ، والإنزال .

وفيه رد على من يقول بنزوله بنوء كذا وكذا ، في وقت كذا وكذا ، في مكان كذا وكذا ، ونحو ذلك.

ويعلم ما في الأرحام من الذكور والإناث ، والصلاح والفساد ، وما يتصل بهذا من التطورات .

وما تدري نفس من النفوس ، كائنة ما كانت ، من غير فرق بين الملائكة والأنبياء ، والجن والإنس ، والشياطين .

ماذا تكسب غدا من كسب دين ، أو كسب دنيا ، خير أو شر ، فرح أو ترح ، بسط أو قبض ، عسر أو يسر ، ونحوها من كل شيء .

وما تدري نفس بأي أرض تموت ؛ أي : لا تعلم نفس بأي مكان يقضي الله عليها بالموت من الأرض ، في بر أو بحر ، في سهل أو جبل .

وربما أقامت بأرض ، وضربت أوتادها ، وقالت : لا أبرحها ، فترمي بها مرامي القدر ، حتى تموت في مكان لم يخطر ببالها .

روي : أن ملك الموت مر على سليمان -عليه السلام - ، فجعل ينظر إلى [ ص: 414 ] رجل من جلسائه ، فقال الرجل : من هذا ؟ قال: ملك الموت ، قال: كأنه يريدني ، وسأل سليمان -عليه السلام - أن يحمله على الريح ، ويلقيه ببلاد الهند ، ففعل . ثم قال ملك الموت لسليمان : كان دوام نظري إليه تعجبا منه ؛ لأني أمرت أن أقبض روحه بالهند ، وهو عندك . ذكره النسفي في «المدارك » .

ورأى المنصور في منامه صورة ملك الموت ، وسأله عن مدة عمره ، فأشار بأصابعه الخمس ، فعبرها المعبرون بخمس سنوات ، وبخمسة أشهر ، وبخمسة أيام .

فقال الإمام أبو حنيفة نعمان بن ثابت -رضي الله عنه - : هو إشارة إلى هذه الآية الشريفة ؛ فإن هذه العلوم الخمسة لا يعلمها إلى الله .

قال الكرخي : أضاف في الآية العلم إلى نفسه في الثلاثة الأولى من الخمسة المذكورة ، ونفى العلم عن العباد في الأخيرتين منها ، مع أن الخمسة سواء في اختصاص الله تعالى بعلمها ، وانتفاء علم العباد بها ؛ لأن الثلاثة الأول أمرها أعظم ، وأفخم ، فخصت بالإضافة إليه تعالى .

والأخيرتان من صفات العباد ، فخصتا بالإضافة إليهم ، مع أنه إذا انتفى عنهم علمها ، كان انتفاء علم ما عداهما من الخمسة أولى إن الله عليم بهذه الأشياء ، وبغيرها من الغيوب جميعها خبير بما كان ، وربما يكون ، وببواطن الأشياء كلها ، ليس علمه محيطا بالظاهر فقط .

قال ابن عباس : هذه الخمسة لا يعلمها ملك مقرب ، ولا نبي مرسل .

فمن ادعى أنه يعلم شيئا من هذه، فإنه كفر بالقرآن .

وفيه رد على المنجم والكاهن اللذين يخبران بوقت الغيث والموت ، وغيرهما .

أخرج البخاري ومسلم ، وغيرهما عن ابن عمر -رضي الله عنهما - ، قال: [ ص: 415 ]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله : لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا متى تقوم الساعة إلا الله ، ولا ما في الأرحام إلا الله ، ولا متى ينزل الغيث إلا الله ، وما تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله » .

وفي «الصحيحين » ، وغيرهما ، من حديث أبي هريرة ، في حديث سؤاله عن الساعة ، وجوابه بأشراطها ، ثم قال: «في خمس لا يعلمهن إلا الله » ، ثم تلا هذه الآية .

أي : لا يدري أحد متى تقوم الساعة ، في أي سنة ، وأي شهر ، وأي يوم ، وأي ساعة ، ليلا ، أو نهارا .

التالي السابق


الخدمات العلمية