فإن قيل: كيف يقاتلون ، وهم يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ويأتون بكثير من شرائع الإسلام ، وقد ورد في «الصحيح » : الحديث ؟ «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله »
فالجواب : أنه قد ورد في «صحيح » : البخاري محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها » . «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن
فجعل الغاية التي ينتهي عندها القتال الأمور الثلاثة المذكورة في الحديث؛ لأن القول المجرد عن الاعتقاد والعمل غير مفيد ، وإلا ، فقد قال اليهود ذلك.
والمراد : معناها ، لا مجرد لفظها ، وأن يقولوها كما قاله صلى الله عليه وسلم، موقنين بمعناها من النفي ، والإثبات ، عاملين بمقتضاها ، غير فاعلين ما ينافيها من الشرك ، والكفران ، والطغيان .
فإن قيل: كيف إذا كانوا يأتون بالأمور الثلاثة المذكورة ، لكنهم يصرفون بعض العبادات لغير الله به مثل الاعتقاد في المقبورين ، ونحو ذلك ؟
فالجواب : أن القصص المذكورة آنفا فيمن جرى عليه القتل في زمن الخلفاء ، وممن كان يفعل الأمور الثلاثة المذكورة ، ويناقضها بما يوجب قتله .
فإن قيل: إن هؤلاء لم يعلموا ذلك أنه ينافي أحسن المسالك . [ ص: 232 ]
فالجواب : أن المقرر إنما هو تكفير من بلغته الدعوة ، وقامت عليه الحجة ، فأبى ، وعاند بعد العلم مصرا على الشرك .
فمن حين ظهرت هذه الدعوة المحمدية إلى ، وجردت عليها السيوف ، فمن ردها ، وأباها ، فالكلام عليه ، واللوم متوجه إليه . وهي الآن - بحمد الله - قل غارت ، وطارت . توحيد الألوهية
والقرآن العظيم أكبر حجة على الخاص والعام ، فمثل توحيد الله بالعبادة ، وأنه لا شريك له فيها ، يدل على هذا القرآن دلالة صريحة للتالي والسامع ، وفيه هداية للعقل إليه ، وإقامة الحجة عليه .
وأما فهم الحجة ، فغير لازم ، وللعلماء في هذا الموضع أقوال ، وقد نص الفرقان العظيم على ذم قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .
وأما الأموات ، فقد أفضوا إلى ما قدموا ، وقد ورد ، وهذا فيمن عمله عمل المشركين منهم ، وفعله فعل الكافرين . النهي عن إيذاء الأحياء بذكر مساوئ الأموات
وأما من يعلم صلاحه ، وتوحيده ، فذلك الناجي -سواء تقدم ، أو تأخر - .
وأما من لا يعلم حاله : فكف اللسان عنه حسن جدا ؛ لأن تكفير المعين يحتاج إلى ثبوت إقامة الحجة عليه .
وفي نجاة أهل الفترات مباحث ، واختلافات .
والشأن كل الشأن في أمر أهل هذا الزمان ، فإن علم التوحيد أمر مستفاض ، وشيء معروف ، وأنه فرض لازم ، وواجب متحتم . وعلم الشرك مذموم ، وأنه حرام محض ، وضلال بحت .
ولكنه حصلت فيه غلطات فاضحة ، وعادات شنيعة ، وأعمال كفرية ، وأقوال شركية ، وردة فظيعة ، وأفعال قبيحة ، تابع فيه الآخر الأول ، وابتلي به كثير ممن قلد بعضهم بعضا إلا قليلا من الناس ، ونبذاهم الأكياس .
وكادت آثار مباني الشريعة الحقة تنطمس ، وأعيان معانيها المنيعة الرفيعة [ ص: 233 ] تندرس ، وما أتي الناس إلا من قبل الديانة ، والأمانة ، وغربة الإسلام ، وضعف الإيمان .
ولم يفسد الدين إلا الأحبار ، والرهبان السوء .
فإلى الله المشتكى من نفس إذا ابتليت ، وجهل إذا طغى ، وهوى إذا أعمى .
اللهم وفقنا لتوحيدك الخالص عن شائبة الأهواء ، واسلك بنا مسلك العمل الصالح الصواب ، الذي تحبه ، وترضاه ، ونجنا من الشرك ، وتطوراته في قلوب أهل الآراء ، وبالله التوفيق ، وهو المستعان .
* * *