وقال تعالى : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [الأنعام : 82] ؛ أي : لم يخلطوه به .
والمراد بالظلم : الشرك ، وقد فسره بذلك - رضي الله عنه - أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب وحذيفة بن اليمان ، وسلمان الفارسي ، ، وأبي بن كعب ، وجماعة من التابعين - رضي الله عنهم - . وابن عباس
ويغني عن الجميع في تفسير الآية ما ثبت في «الصحيحين » ، وغيرهما من حديث ، قال: ابن مسعود
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس هو كما تظنون ، إنما هو كما قال لقمان : يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم » . لما نزلت هذه الآية ، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا : أينا لم يظلم نفسه ؟ .
والعجب من صاحب «الكشاف » حيث يقول في تفسير هذه الآية : وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ «اللبس » .
وهو لا يدري أن الصادق المصدوق قد فسرها بهذا، وإذا جاء نهر الله ، بطل نهر معقل .
وفي «زاده » على : وذهب البيضاوي المعتزلة إلى أن المراد بالظلم في هذه الآية : المعصية ، لا الشرك ؛ بناء على أن خلط أحد الشيئين بالآخر يقتضي اجتماعا ، ولا يتصور خلط الإيمان بالشرك ، لأنهما ضدان لا يجتمعان .
وهذه الشبهة ترد عليهم بأن يقال : كما أن الإيمان لا يجامع الكفر ، فكذلك المعصية لا تجامع الإيمان عندكم ؛ لكونه اسما لفعل الطاعات ، واجتناب المعاصي ، فلا يكون مرتكب الكبيرة مؤمنا عندكم . انتهى .
أقول : لا استحالة في اجتماع الشرك بالإيمان في مواضع خاصة .
ألا ترى المشركين من المسلمين عابدي القبور ، والهاتفين بأهلها ، الذابحين [ ص: 245 ] للأولياء ، والناذرين لهم في إنجاح الحاجات ، وقضاء المرادات ، كيف يشركون بالله مع اعترافهم بالإيمان ، وتفوههم بكلمة التوحيد ؟
وهذا الذي قلت دل عليه قوله تعالى : وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [يوسف : 106] .
أي : موحدون في توحيد الربوبية ، ومشركون في توحيد الألوهية .
أولئك لهم الأمن يوم القيامة من عذاب النار .
والآية دليل على أن . من مات لا يشرك بالله شيئا ، كانت عاقبته الأمن من عذاب جهنم
وهم مهتدون إلى الحق ، ثابتون عليه ، وغيرهم على ضلال .
وقال تعالى : وتلك حجتنا [الأنعام : 83-88] . أي : ما تقدم من الحجج التي أوردها إبراهيم - عليه السلام عليهم .
آتيناها إبراهيم على قومه ؛ أي : أعطيناها إياه ، وأرشدناه إليها .
نرفع درجات من نشاء بالهداية ، والعلم ، والفهم ، والعقل ، والفضيلة ، والإرشاد إلى الحق ، وتلقين الحجة ، أو بما هو أعم من ذلك.
وفيه نقض قول المعتزلة في الأصلح .
قال الضحاك : للعلماء درجات كدرجات الشهداء .
إن ربك حكيم عليم ووهبنا له إسحاق ابنا لصلبه .
ويعقوب ولد الولد كلا هدينا إلى سبيل الرشاد ، وطريق الحق ، وهو توحيد الله تعالى ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا
هذا موضع الاستدلال ؛ أي : لو أشرك هؤلاء المذكورون ، وهم ثمانية عشر [ ص: 246 ] رسولا ، بعبادة غير الله لحبط عنهم والحبوط : البطلان ، والذهاب ما كانوا يعملون من الطاعات قبل ذلك ؛ لأن الله لا يقبل مع الشرك من الأعمال شيئا .
فيه عبرة عظيمة ، ونصيحة كريمة ؛ لأن الشرك إذا أحبط أعمال الرسل ، فما الظن بغيرهم ؟
وهذه الآية أخوف آية لمن له قلب ، أو ألقى السمع وهو شهيد ، ولا بيان بعد بيان الرحمن ، ولا قرية وراء عبادان .
وأقول : أين المشركون من المؤمنين ؟ فلينظروا إلى هذه الآية ، وليتأملوا فيها ، وفي سباقها ، وسياقها ، كيف سجل الله تعالى على أفاضل خلقه بحبط أعمالهم الصالحات ، وأفعالهم الطيبات عند وجود الشرك منهم ، مع استحالة وقوعه عنهم.
فاستدلال بعض الجهلة بأن إيراد الآيات الدالة على في مقابلة المسلمين ليس كما ينبغي ؛ لأنها وردت في حق الكفار ، وهؤلاء مؤمنون ، مردود عليه بنص هذه الآية الشريفة . ذم أهل الشرك
فإن الإخبار فيها عن رسله سبحانه خاصة دون غيرهم من أهل الكفر ، والشرك ، ومن هو أفضل منهم في قوة الإيمان ، وصحة الإسلام .