والعبادة حق الله تعالى
قال في «حجة الله البالغة » : إن من أعظم أنواع البر أن يعتقد الإنسان بمجامع قلبه ، بحيث لا يحتمل نقيض هذا الاعتقاد عنده : أن ، وأنهم مطالبون بالعبادة من الله تعالى ، بمنزلة سائر ما يطالبه ذوو الحقوق من حقوقهم . [ ص: 268 ] العبادة حق الله تعالى على عباده
قال النبي صلى الله عليه وسلم : لمعاذ ! هل تدري ما حق الله على عباده ، وما حق العباد على الله ؟ » ، قال معاذ : الله ورسوله أعلم . معاذ
قال : «فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ، ولا يشركوا به شيئا ، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا » . «يا
وذلك لأن من لم يعتقد ذلك اعتقادا جازما ، واحتمل عنده أن يكون سدى مهملا لا يطالب بالعبادة ، ولا يؤاخذ بها من جهة رب مريد مختار ، كان دهريا لا تقع عبادته ، وإن باشرها بجوارحه بموقع من قلبه ، ولا تفتح بابا بينه وبين ربه ، وكانت عادة كسائر عاداته .
والأصل في ذلك: أنه قد ثبت في معارف الأنبياء ، وورثتهم : أن موطنا من مواطن الجبروت فيه إرادة وقصد ، بمعنى الإجماع على فعل مع صحة الفعل والترك بالنظر إلى هذا الموطن ، وإن كانت المصلحة الفوقانية لا تبقي ولا تذر شيئا إلا أوجب وجوده ، أو أوجب عدمه .
لا وجود للحالة المنتظرة بحسب ذلك، ولا عبرة بقوم يسمون الحكماء يزعمون أن الإرادة بهذا المعنى .
فقد حفظوا شيئا ، وغابت عنهم أشياء ، وهم محجوبون عن مشاهدة هذا الموطن ، محجوبون بأدلة الآفاق والأنفس .
أما حجابهم ، فهو أنهم لم يهتدوا إلى موطن بين التجلي الأعظم ، وبين الملأ الأعلى ، شبيه بالشعاع القائم بالجوهرة ، ولله المثل الأعلى .
ففي هذا الموطن يتمثل إجماع على شيء استوجبه علوم الملأ الأعلى ، وهيأهم بعد ما كان مستوى الفعل والترك في هذا الموطن سواء .
وأما الحجة عليهم ، فهي أن الواحد منا يعلم -بداهة - أنه يمد يده ، ويتناول القلم مثلا ، وهو في ذلك مريد قاصد ، يستوي بالنسبة إليه الفعل والترك بحسب هذا القصد ، وبحسب هذه القوى المتشبحة في نفسه .
وإن كان كل شيء بحسب المصلحة الفوقانية إما واجب الفعل ، أو واجب [ ص: 269 ] الترك ، فكذلك الحال في كل ما يستوجبه استعداد خاص ، فينزل من بارئ الصور .
ونزول الصور على المواد المستعدة لها ؛ كالاستجابة عقيب الدعاء ، بما فيه دخل لمتجدد حادث بوجه من الوجوه .
ولعلك تقول : هذا جهل بوجوب الشيء بحسب المصلحة الفوقانية ، فكيف يكون في موطن من مواطن الحق ؟
فأقول : حاش لله ، بل هو علم ، وإيفاء لحق هذا الموطن .
إنما الجهل أن يقال : ليس بواجب أصلا .
وقد نفت الشرائع الإلهية هذا الجهل حيث أثبتت الإيمان بالقدر ، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك .
وأما إذا قيل: يصح فعله وتركه بحسب هذا الموطن ، فهو علم حق لا محالة .
كما أنك إذا رأيت الفحل من البهائم يفعل الأفعال الفحلية ، ورأيت الأنثى تفعل الأفعال الأنثوية ، فإن حكمت بأن هذه الأفعال صادرة جبرا كحركة الحجر في تدحرجه ، كذبت .
وإن حكمت بأنها صادرة من غير علة موجبة لها ، فلا المزاج الفحل يوجب هذا الباب ، ولا المزاج الأنثوي يوجب ذلك، كذبت .
وإن حكمت بأن الإرادة المتشبحة في أنفسها تحكي وجوبا فوقانيا ، وتعتمد عليه ، وأنها لا تفور فورانا استقلاليا ، كان ليس وراء ذلك مرمى ، فقد كذبت .
بل الحق اليقين أمر بين الأمرين ، وهو أن الاختيار معلول لا يتخلف عن علله ، والفعل المراد توجبه العلل ، ولا يمكن ألا يكون .
ولكن هذا الاختيار من شأنه أن يبتهج بالنظر إلى نفسه ، ولا ينظر إلى ما فوق ذلك.
فإن أديت حق هذا الموطن ، وقلت : أجد في نفسي أن الفعل والترك كانا [ ص: 270 ] مستويين ، وأني اخترت الفعل ، فكان الاختيار علة لفعله ، صدقت ، وبررت .
فأخبرت الشرائع الإلهية عن هذه الإرادة المتشبحة في هذا الموطن .