فاعلم أنه لا إله إلا الله ؛ أي: إذا علمت أن مدار الخير هو التوحيد، والطاعة، ومدار الشر هو الشرك، والعمل بمعاصي الله، فاعلم أنه لا إله غيره، ولا رب سواه. وقال تعالى:
والمعنى: اثبت على ذلك، واستمر عليه، ودم على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية؛ فإنه النافع يوم القيامة؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- كان عالما أنه لا إله إلا الله قبل هذا.
ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: رواه مسلم. «من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله، دخل الجنة»
وقال تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [الذاريات:51].
قال ليعرفوني. [ ص: 49 ] مجاهد:
قال هذا قول حسن؛ لأنه لو لم يخلقهم، لما عرف وجوده وتوحيده. الثعلبي:
وقيل: لآمرهم، وأنهاهم، ويدل عليه قوله: وما أمروا إلا ليعبدوا الله إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون [التوبة: 31]، واختاره الزجاج.
وقال هو ما جبلوا عليه من السعادة والشقاوة. زيد بن أسلم:
فخلق السعداء من الجن والإنس للعبادة، وخلق الأشقياء للمعصية.
وقال المعنى: ليوحدوني. الكلبي:
فأما المؤمن، فيوحده في الشدة والرخاء، وأما الكافر، فيوحده في الشدة دون النعمة.
وقال جماعة: ليخضعوا لي، ويتذللوا.
ومعنى العبادة في اللغة: الذل، والخضوع، والانقياد.
وكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله، متذلل لمشيئته، منقاد لما قدره عليه، خلقهم على ما أراد، ورزقهم كما قضى، لا يملك واحد منهم لنفسه نفعا، ولا ضرا.
وقال أي: ليقروا بالعبودية طوعا، أو كرها. ابن عباس:
وعنه قال: على ما خلقتهم عليه من طاعتي، ومعصيتي، وشقوتي وسعادتي.
والمعاني متقاربة، ولا مانع من الحمل على الجميع.
قيل: هذا لا ينافي تخلف العبادة بالفعل من بعضهم؛ لأن هذا البعض وإن لم يعبد الله، لكن فيه التهيؤ والاستعداد الذي هو الغاية بالحقيقة، وهذا أحسن.
وقال تعالى: أم لهم إله غير الله [الطور: 43 ] يحفظهم، ويرزقهم، وينصرهم، ويكشف السوء عنهم، ويغيثهم، ويعينهم. [ ص: 50 ]
وهذا استفهام إنكاري على معنى نفي الحصول من أصله؛ أي: ليس لهم في الواقع إله غير الله.
سبحان الله عما يشركون .
«ما» تحتمل وجهين.
أحدهما: أن تكون مصدرية، معناه: سبحانه عن إشراكهم.
ثانيهما: خبرية، معناه: عن الذين يشركون.
وعلى هذا: فيحتمل أن يكون التنزيه عن الولد؛ لأنهم كانوا يقولون: البنات لله، فقال: «سبحان» عن البنات، والبنين، وأن يكون عن مثل الآلهة؛ لأنهم كانوا يقولون: هو مثل ما يعبدونه، فقال: سبحان الله عن مثل ما يعبدونه.