الصنف الثالث : رأوا أن أفضل العبادات ما كان فيه نفع متعد ، فرأوه أفضل من النفع القاصر .
فرأوا خدمة الفقراء ، والاشتغال بمصالح الناس ، وقضاء حوائجهم ، ومساعدتهم بالجاه والمال والنفع أفضل ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الخلق عيال الله ، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله » .
قالوا : وعمل العابد قاصر على نفسه ، وعمل النفاع متعد إلى الغير ، فأين أحدهما من الآخر ؟ !
ولهذا كان فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب .
وقد قال صلى الله عليه وسلم لعلي -كرم الله وجهه - : «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم » .
وقال : «من دعا إلى هدى ، كان له من الأجر مثل أجر من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا » .
وقال : «إن الله وملائكته يصلون على معلمي الخير » .
وقال : «إن العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في البحر ، والنملة في جحرها » .
قالوا : وصاحب العبادة إذا مات ، انقطع عمله ، وصاحب النفع لا ينقطع ما دام نفعه الذي تسبب فيه .
والأنبياء -عليهم السلام - إنما بعثوا بالإحسان إلى الخلق ، وهدايتهم ، ونفعهم في معاشهم ، ومعادهم ، ولم يبعثوا لأجل الخلوات ، والانقطاع . [ ص: 319 ]
ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أولئك النفر الذين هموا بالانقطاع ، والتعبد ، وترك مخالطة الناس .
ورأى هؤلاء أن التفرغ لنفع الخلق أفضل ، من الجمعية على الله بدون ذلك.
قالوا : ومن ذلك العلم ، والتعليم ، ونحو هذه الأمور الفاضلة .


