وأما الآية الثانية : فما تكلم فيها ببنت شفة ، بل أحال تفسيرها على الأولى ، وقال : مر تفسيره في هذه السورة . 
وقال الإمام الحجة العلامة علاء الدين علي بن محمد البغدادي الصوفي المعروف بالخازن  في تفسيره «لباب التأويل » تحت تفسير الآية الأولى : 
قال  ابن جرير الطبري   : معناه : يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا ، وإن الله لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء . 
فعلى هذا يكون في الآية دلالة على أن اليهودي يسمى مشركا في عرف الشرع . 
وقيل : إن الآية نزلت في «وحشي  » ، وأصحابه ، وذلك لما قتل  حمزة   -رضي الله تعالى عنه - ، ورجع إلى مكة  ، ندم هو وأصحابه ، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: 
إنا قد ندمنا على ما صنعنا ، وإنه ليس يمنعنا عن الإسلام إلا أنا سمعناك بمكة تقول : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر   [الفرقان : 68] إلى آخر الآيات ، وقد دعونا مع الله إلها آخر ، وقتلنا النفس التي حرم الله ، وزنينا ، فلولا هذه الآيات لاتبعناك ، فنزلت : إلا من تاب وآمن وعمل صالحا  ، [الفرقان : 70] الآيتين . 
فبعث بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ، فلما قرؤوهما ، كتبوا إليه : إن هذا شرط شديد ، ونخاف ألا نعمل عملا صالحا ، فنزلت : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء  ، فبعث بها إليهم .  [ ص: 339 ] 
فبعثوا : إنا نخاف ألا نكون من أهل المشيئة ، فنزلت : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم   [الزمر : 53] الآية . 
فبعث بها إليهم ، فدخلوا في الإسلام ، ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقبل منهم . 
ثم قال لوحشي   : «أخبرني كيف قتلت  حمزة  ؟ » ، فلما أخبره ، قال: 
«ويحك ! ! غيب وجهك عني » ، فلحق بالشام  ، فكان به إلى أن مات  . 
وقيل : لما نزلت قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم  الآية قام رجل ، فقال : يا رسول الله ! والشرك ؟ فسكت ، ثم قام إليه مرتين ، أو ثلاثا ، فنزلت هذه الآية  . 
ومعنى الآية : إن الله تعالى لا يغفر لمشرك مات على شركه ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء . 
يعني : ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء من أصحاب الذنوب ، والآثام . 
ففي الآية دليل على أن صاحب الكبيرة إذا مات من غير توبة  ، فإنه في خطر المشيئة : إن شاء عفا عنه ، وأدخله الجنة بمنه ، وكرمه ، وإن شاء عذبه بالنار ، ثم أدخله الجنة برحمته ، وإحسانه ؛ لأن الله تعالى وعد المغفرة لما دون الشرك ، فإن مات على الشرك ، فهو مخلد في النار ؛ لقوله : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء   . 
وفي الآية رد على المعتزلة  ، والقدرية  حيث قالوا : لا يجوز في الحكمة أن يغفر لصاحب كبيرة . 
وعند أهل السنة : الله تعالى يفعل ما يشاء : لا مكره [له] ، ولا حجر عليه . 
ويدل على ذلك أيضا ما روي عن  ابن عمر  ، قال: كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات الرجل على كبيرة ، شهدنا أنه من أهل النار ، حتى نزلت هذه الآية : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء  ، فأمسكنا عن الشهادة  .  [ ص: 340 ] 
وقال  ابن عباس  لعمر بن الخطاب   : يا أمير المؤمنين ! الرجل يعمل من الصالحات لم يدع من الخير شيئا إلا عمله ، غير أنه مشرك ؟ 
قال  عمر   : هو في النار. 
فقال  ابن عباس   : الرجل لم يدع شيئا من الشر إلا عمله ، غير أنه لم يشرك بالله شيئا . 
فقال  عمر   : الله أعلم . 
قال  ابن عباس   : إني لأرجو له كما أنه لا ينفع مع الشرك عمل ، كذلك لا يضر مع التوحيد ذنب فسكت  عمر   . 
عن  علي بن أبي طالب  قال: ما في القرآن أحب إلي من هذه الآية : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء   . أخرجه  الترمذي  ، وقال : حديث حسن غريب . 
عن  جابر  قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : يا رسول الله ! ما الموجبتان ؟ 
قال : «من مات لا يشرك بالله شيئا ، دخل الجنة ، ومن مات يشرك به ، دخل النار »  . 
ومن يشرك بالله  يعني : يجعل معه شريكا غيره فقد افترى  ؛ أي : اختلق إثما عظيما  يعني : ذنبا عظيما غير مغفور إن مات عليه . انتهى . 
ثم قال في تفسير الآية الثانية : إن الله لا يغفر أن يشرك  نزلت في طعمة بن أبيرق أيضا ؛ لكونه مات مشركا . 
ثم ذكر قول  ابن عباس   : إنها نزلت في شيخ من الأعراب . . . إلخ . 
ثم قال: فهذا نص صريح بأن الشرك غير مغفور إذا مات صاحبه عليه  ؛ لأنه قد ثبت أن المشرك إذا تاب من شركه ، وآمن ، قبلت توبته ، وصح إيمانه ، وغفرت ذنوبه كلها التي عملها في حال الشرك .  [ ص: 341 ] 
ويغفر ما دون ذلك  يعني : ما دون الشرك لمن يشاء  يعني : لمن يشاء من أهل التوحيد . 
قال العلماء : لما أخبر الله أنه يغفر الشرك بالإيمان والتوبة ، علمنا أنه يغفر ما دون ذلك الشرك بالتوبة ، وهذه المشيئة فيمن لم يتب من ذنوبه من أهل التوحيد . 
فإذا مات صاحب الكبيرة ، أو الصغيرة من غير توبة ، فهو على خطر المشيئة ؛ إن شاء غفر له ، وأدخله الجنة بفضله ، ورحمته ، وإن شاء عذبه ، ثم يدخله الجنة بعد ذلك. 
ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا  يعني : فقد ذهب عن طريق الهدى ، وحرم الخير كله إذا مات على شركه . 
				
						
						
