ويغفر ما دون ذلك عطف على خبر «إن » ، وذلك إشارة إلى الشرك ، وما فيه من معنى البعد ، مع قربه في الذكر ؛ للإيذان ببعد درجته ، وكونه في أقصى مراتب القبح .
أي : ويغفر ما دونه في القبح من المعاصي ، صغيرة كانت ، أو كبيرة ؛ تفضلا من لدنه ، وإحسانا ، من غير توبة عنها .
لكن لا لكل أحد ، بل لمن يشاء ؛ أي : لمن يشاء أن يغفر له ممن اتصف به فقط ، لا بما فوقه .
فإن مغفرتهما لمن اتصف بهما سواء في استحالة الدخول تحت المشيئة المبنية على الحكمة التشريعية .
فإن اختصاص بأهل الإيمان من متممات الترغيب فيه ، والزجر عن الكفر . مغفرة المعاصي -من غير توبة -
ومن علق المشيئة بكلا الفعلين ، وجعل الموصول الأول عبارة عمن لم يتب ، والثاني عمن تاب ، فقد ضل سواء الصواب .
كيف لا ، وإن مساق النظم الكريم لإظهار كمال عظم جريمة الكفر ، وامتيازه عن سائر المعاصي ، ببيان استحالة مغفرته ، وجواز مغفرتهما ؟ [ ص: 343 ]
فلو كان الجواز على تقدير التوبة ، لم يظهر بينهما فرق ؛ للإجماع على مغفرتهما بالتوبة ، ولم يحصل ما هو المقصود من الزجر البليغ عن الكفر والطغيان ، والحمل على التوبة والإيمان .
ومن يشرك بالله إظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لزيادة تقبيح الإشراك ، وتفظيع حال من يتصف به .
فقد افترى إثما عظيما ؛ أي : افترى ، واختلق مرتكبا إثما لا يقادر قدره ، ويستحقر دونه جميع الآثام ، فلا تتعلق به المغفرة قطعا ، انتهى .
وأما الثانية : فقال : قد مر تفسيرها فيما سبق ، وهو تكرير للتأكيد ، والتشديد ، أو لقصة «طعمة » ، وقد مر موته كافرا .
ثم ذكر رواية -رضي الله عنهما - : أن شيخا من العرب جاء . . .إلخ . ابن عباس
ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا عن الحق .
فإن الشرك أعظم أنواع الضلالة ، وأبعدها عن الصواب ، والاستقامة ، كما أنه افتراء ، وإثم عظيم .
ولذلك جعل الجزاء في هذه الشرطية فقد ضل . . .إلخ ، وفيما سبق فقد افترى إثما عظيما حسبما يقتضيه سباق النظم الكريم ، وسياقه . انتهى .
وقال الشيخ العلامة علي المهايمي -قدس سره - في تفسيره «تبصير الرحمن وتيسير المنان » تحت تفسير الأولى : إن الله لا يغفر أن يشرك به : كما لا يغفر ملوك الدنيا من أشرك بهم في ملكهم ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، فجاز أن يغفر لكم شرككم لو آمنتم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وتحريفكم ، لو رجعتم إلى المنزل .
وكيف يغفر للمشرك ومن يشرك بالله فقد افترى ؛ أي : قصد إثما عظيما تقتضي الحكمة التعذيب عليه بأعظم الوجوه ، وهو التخليد في النار . انتهى . [ ص: 344 ]
وأما الآية الثانية ، فقال في تفسيرها :
ثم أشار إلى أن وعيد مشاقة الرسول جازم دون مخالفة الإجماع ؛ لأن مشاقة الرسول دليل تكذيبه ، وهو مستلزم للشرك بالله ؛ إذ خلق المعجزات لا يكون إلا لكامل القدرة ، ولا يكون إلا لإله ، فإذا نفاها عن الله ، فقد أثبت له شريكا إن الله لا يغفر أن يشرك به .
ومخالفة الإجماع يجوز أن تكون مغفورة ؛ لأنه ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ؛ إذ لا تنتهي إلى الشرك ، وكيف يغفر أن يشرك به وهو أعظم وجوه الضلال ؟
فإن ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا عن الحق .
فترك جزائه يستلزم التسوية بينه وبين الهداية الكاملة . انتهى .
وقال الشيخ «إسماعيل حقي أفندي » -رحمه الله تعالى - في تفسيره «روح البيان » تحت تفسير الآية الأولى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ؛ أي : لا يغفر الكفر ممن اتصف به بلا توبة وإيمان ؛ لأن الحكمة التشريعية مقتضية لسد باب الكفر ، وجواز مغفرته بلا إيمان مما يؤدي إلى فتحه .
ولأن . ظلمات الكفر والمعاصي إنما يسترها نور الإيمان
فمن لم يكن له إيمان ، لم يغفر له شيء من الكفر والمعاصي .
ويغفر ما دون ذلك ؛ أي : ويغفر ما دون الشرك في القبح من المعاصي -صغيرة كانت ، أو كبيرة - تفضلا من لدنه وإحسانا ، من غير توبة عنها .
لكن لا لكل أحد ، بل لمن يشاء له أن يغفر له ممن اتصف به فقط ؛ أي : لا بما فوقه .
قال شيخنا السيد الثاني ، سمي جامع القرآن : وهم المؤمنون الذين اتقوا من الإشراك بالله تعالى ، فيغفر لهم ما دون الإشراك من الصغائر والكبائر ؛ لعدم إشراكهم به . [ ص: 345 ]
ولا يغفر للمشركين ما دون الإشراك أيضا ؛ لإشراكهم به .
فكما أن إشراكهم لا يغفر ، فكذلك ما دون إشراكهم لا يغفر .
بخلاف المؤمنين ؛ فإنه تعالى كما وقاهم من عذاب الإشراك بحفظهم عنه ، كذلك وقاهم من عذاب ما دونه بمغفرته لهم .