ضلالة النصارى
وأما النصارى، فكانوا مؤمنين بعيسى -عليه الصلاة والسلام-، وكان من ضلالتهم: أنهم يزعمون أن لله -سبحانه وتعالى- ثلاث شعب متغايرة بوجه، متحدة بآخر، ويسمون الشعب الثلاثة: أقانيم ثلاثة.
أحدها: الأب: وذلك بإزاء المبدئ للعالم.
والثاني: الابن: وهو بإزاء الصادر الأول، وهو معنى عام شامل لجميع الموجودات.
والثالث: روح القدس: وهو بإزاء العقول المجردة. [ ص: 89 ]
وكانوا يعتقدون أن أقنوم الابن تل بروح عيسى -عليه السلام-؛ يعني: تصور الابن بصورة روح عيسى كما أن جبريل يظهر بصورة الإنسان.
ويزعمون أن عيسى إله، وأنه ابن الله أيضا، وأنه بشر أيضا، تجري عليه الأحكام البشرية والإلهية معا.
وكانوا يتمسكون في هذا الباب ببعض نصوص الإنجيل؛ حيث وقع فيه لفظ «الابن»، وقد نسب إلى نفسه بعض الأفعال الإلهية.
وجواب الإشكال الأول -على تقدير تسليم أنه كلام عيسى ليس فيه تحريف-: أن لفظ: «الابن» كان في الزمان القديم بمعنى المحبوب، والمقرب؛ والمختار؛ كما يدل عليه كثير من القرائن في الإنجيل.
وجواب الإشكال الثاني: أنه على سبيل الحكاية، كما يقول رسول ملك من الملوك: يا فلان! قد غلبنا الملك الفلاني، وقد أخذنا قلعة كذا.
والمعنى -في الحقيقة- راجع إلى الملك، وإنما هو ترجمان محض.
وأيضا يحتمل أن يكون طريق الوحي إلى عيسى -عليه السلام- انطباع المعاني في لوح نفسه من قبل العالم الأعلى، لا تمثل جبريل بالصورة البشرية، وإلقاء الكلام.
فربما يجري بسبب هذا الانطباع منه -عليه السلام- كلام مشعر بنسبة تلك الأفعال إلى نفسه، والحقيقة غير خفية.