الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومن نوى التجارة من مال قنية فلا ينعقد الحول بمجرد نيته حتى يشتري به شيئا ومهما قطع نية التجارة قبل تمام الحول سقطت الزكاة .

والأولى أن تؤدى زكاة تلك السنة وما كان من ربح في السلعة في آخر الحول وجبت الزكاة فيه بحول رأس المال ولم يستأنف له حول كما في النتاج .

التالي السابق


(ومن نوى التجارة في مال قنية فلا ينعقد الحول بمجرد نيته) ، أما عرض التجارة فإنه يصير قنية بنيتها؛ لأنها الأصل فاكتفى فيها بالنية، وأما عرض القنية فإنه لا يصير للتجارة بمجرد نيتها فلا ينعقد الحول بذلك؛ لأنها خلاف الأصل، كما أن المسافر يصير مقيما بمجرد النية، فإذا نوى وهو ماكث لا يصير مسافرا إلا بفعل، وأيضا القنية هي الجنس للانتفاع، وقد وجد بالنية المذكورة مع الإمساك والتجارة هي التقليب بقصد الأرباح، ولم يوجد ذلك، فلو لبس ثوب تجارة بلا نية فهو مال تجارة، فإن نواها به فليس مال [ ص: 45 ] تجارة، وإنما يصير العرض للتجارة إذا قرنت نيتها بكسبه بمعاوضة محضة، وهو المراد بقول المصنف: (حتى يشتري به شيئا) ، وقال في الروضة: مجرد نية التجارة لا يصيره مال تجارة، فلو كان له عرض قنية ملكه بشراء أو غيره فجعله للتجارة لم يصر على الصحيح الذي قطع به الجماهير، وقال الكرابيسي: يصير، وأما إذا اقترنت نية التجارة بالشراء فإن المشترى يصير مال تجارة ويدخل في الحول، سواء اشترى بعرض أو نقد أو دين حال أو مؤجل؛ لانضمام قصد التجارة إلى فعلها، وإذا أثبت حكم التجارة لا تحتاج كل معاملة إلى نية جديدة، وفي معنى الشراء لو صالح على دين له في ذمة إنسان على عرض بنية التجارة صار للتجارة، سواء كان الدين قرضا أو ثمن مبيع أو ضمان متلف، وكذلك ألا تهاب بشرط الثواب إذا نوى به التجارة، وأما الهبة المحضة والاحتطاب والاحتشاش والاصطياد والإرث، فليست من أسباب التجارة ولا أثر لاقتران النية بها، وكذلك الرد بالعيب والاسترداد (ومهما قطع نية التجارة قبل تمام الحول سقطت الزكاة) ؛ لأن تمام الحول معتبر فيها بلا خلاف كما تقدم (والأولى أن يؤدي زكاة تلك السنة) احتياطيا (وما كان من ربح في السلعة في آخر الحول وجبت الزكاة فيه لحول رأس المال ولم يستأنف له حول كما في النتاج) أي: مع الأمهات .

اعلم أن ربح مال التجارة ضربان: حاصل من غير نضوض المال، وحاصل مع نضوضه، فالأول مضموم إلى الأصل كالنتاج .

قال إمام الحرمين: حكى الأئمة القطع بذلك، لكن من يعتبر النصاب في جميع الحول قد لا يسلم وجوب الزكاة في الربح في آخر الحول، ومقتضاه أن يقول: ظهور الربح في أثنائه كنضوضه، وفيه خلاف يأتي .

قال الإمام: وهذا لا بد منه، والمذهب الصحيح ما سبق، فعلى المذهب لو اشترى عرضا بمائتي درهم فصارت قيمته في أثناء الحول ثلاثمائة زكى ثلاثمائة في آخر الحول، وإن كان ارتفاع القيمة قبل آخر الحول بلحظة، ولو ارتفعت بعد الحول فالربح مضموم إلى الأصل في الحول الثاني كالنتاج، الضرب الثاني الحاصل مع النضوض فينظر إن صار ناضا من غير جنس رأس المال فهو كما لو أبدل عرضا بعرض؛ لأنه لا يقع به التقويم. هذا هو المذهب، أما إذا صار ناضا من جنسه فتارة يكون ذلك في أثناء الحول وتارة بعده، وعلى التقدير الأول قد يمسك الناض إلى أن يتم الحول، وقد يشتري به سلعة. الحال الأول: أن يمسك الناض إلى تمام الحول، فإن اشترى عرضا بمائتي درهم فباعه في أثناء الحول بثلاثمائة وتم الحول وهي في يده ففيه طريقان، أصحهما وبه قال الأكثرون على قولين: أظهرهما: يزكى الأصل بحوله، ويفرد الربح بحول، والثاني: يزكى الجميع بحول الأصل، والطريق الثاني: القطع بإفراد الربح، وإذا أفردنا ففي ابتداء حوله وجهان؛ أصحهما: من حين النضوض، والثاني: من حين الظهور. الحال الثاني: أن يشتري بهما عرضا قبل تمام الحول، فطريقان: أصحهما: أنه كما لو أمسك الناض، والثاني: القطع بأنه يزكي الجميع لحول الأصل، الحال الثالث: إذا نض بعد تمام الحول؛ فإن ظهرت الزيادة قبل تمام الحول زكى الجميع بحول الأصل بلا خلاف، فإن ظهرت بعد تمامه، فوجهان؛ أحدهما: هكذا، وأصحهما: يستأنف للربح حولا، وجميع ما ذكرناه فيما إذا اشترى العرض بنصاب من النقد أو بعرض آخر قيمته نصاب، فأما إذا اشترى بمائة درهم مثلا وباعه بعد ستة أشهر بمائتي درهم وبقيت عنده إلى تمام الحول من حين الشراء، فإن قلنا بالأصح: أن النصاب لا يشترط إلا في أواخر الحول بنى على القولين في أن الربح من الناض، هل يضم إلى الأصل في الحول؟ إن قلنا: نعم، فعليه زكاة المائتين، وإن قلنا: لا، لم يزك مائة الربح إلا بعد ستة أشهر أخرى، فإن قلنا: النصاب يشترط في جميع الحول أو في طريقه، فابتداء حول الجميع من حين باع ونض، فإذا تم زكى المائتين، ولو ملك عشرين دينارا فاشترى بها عرضا للتجارة، ثم باعه بعد ستة أشهر من ابتداء الحول بأربعين دينارا، واشترى بها سلعة أخرى، ثم باعها بعد تمام الحول بمائة، فإن قلنا: الربح من الناض لا يفرد بحول، فعليه زكاة جميع المائة، وإلا فعليه زكاة خمسين دينارا؛ لأنه اشترى السلعة الثانية بأربعين؛ منها عشرون رأس ماله الذي مضى عليه ستة أشهر، وعشرون ربح استفاده يوم باع الأول، فإذا مضت ستة أشهر فقد تم الحول على نصف السلعة فيزكيه بزيادته، وزيادته ثلاثون دينارا؛ لأنه ربح على [ ص: 46 ] العشر، وكان كامنا وقت تمام الحول، ثم إذا مضت ستة أشهر أخرى فعليه زكاة العشرين الثانية، فإن حولها حينئذ تم ولا يضم إليها ربحها؛ لأنه صار ناضا قبل تمام حولها، فإذا مضت ستة أشهر أخرى فعليه زكاة ربحها، وهو الثلاثون الباقية، فإن كانت الخمسون التي أخرج زكاتها في الحول الأول باقية عنده فعليه زكاتها أيضا للحول الثاني مع الثلاثين. هذا هو قول ابن الحداد تفريعا على أن الناض يفرد ربحه بحول، وحكى الشيخ أبو يعلى وجهين آخرين ضعيفين، أحدهما: يخرج عند البيع الثاني زكاة عشرين، فإذا مضت ستة أشهر أخرج زكاة عشرين أخر، وهي التي كانت ربحا في الحول الأول، فإذا مضت ستة أشهر أخرج زكاة الستين الباقية؛ لأنها إنما استقرت عند البيع الثاني، فمنه يبتدئ حولها، والوجه الثاني أنه عند البيع الثاني يخرج زكاة عشرين، ثم إذا مضت ستة أشهر زكى الثمانين الباقية؛ لأن الستين هي الربح حصلت في حول العشرين التي هي الربح الأول فضمت إليها في الحول، ولو كانت المسألة بحالها لكنه لم يبع السلعة الثانية فيزكي عند تمام الحول الأول خمسين وعند تمام الثاني الخمسين الثانية؛ لأن الربح الأخير لم يصر ناضا، ولو اشترى بمائتين عرضا وباعه بعد ستة أشهر بثلاثمائة واشترى بها عرضا وباعه بعد تمام الحول بستمائة إن لم يفرد الربح بحول زكى الستمائة وإلا فزكاة أربعمائة، فإذا مضت ستة أشهر زكى مائة، فإذا مضت ستة أشهر أخرى زكى المائة الباقية. هذا على قول ابن الحداد، وأما على الوجهين الآخرين فيزكي عند البيع الثاني مائتين، ثم على الوجه الأول إذا مضت ستة أشهر من البيع الثاني زكى ربع المائة الأخرى .



تنبيه

مال التجارة إن كان حيوانا فله حالان:

أحدهما: أن يكون مما تجب الزكاة في عينه كنصاب الماشية، وقد تقدم حكمه .

والثاني: لا تجب في عينه كالخيل والجواري والمعلوفة من النعم، فهل يكون نتاجها مال تجارة؟ وجهان؛ أصحهما: يكون مال تجارة؛ لأن الولد له حكم أمه، والوجهان فيما إذا لم تنقص قيمة الأم بالولادة، فإن نقصت جبرت من قيمة الولد .

كذا قال ابن سريج وغيره، قال الإمام: وفيه احتمال ظاهر، ومقتضى قوله: إنه ليس مال تجارة، أن لا تجبر به الأم كالمستفاد بسبب آخر، وثمار أشجار التجارة كأولاد حيوانها، ففيها الوجهان، فإن لم تجعل الأولاد والثمار مال تجارة، فهل يجب فيها في السنة الثانية فما بعدها زكاة؟ قال إمام الحرمين: الظاهر أن لا توجب؛ لأنه منفصل عن تبعية الأم وليس أصلا في التجارة، وأما إذا ضممناها إلى الأصل وجعلناها مال تجارة ففي حولها طريقان، أصحهما: حولها حول الأصل كنتاج السائمة وكالزيادة المتصلة، والثاني: على قول ربح الناض، فعلى هذا ابتداء حولها من انفصال الولد وظهور الثمار .




الخدمات العلمية