الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الصنف الثالث : العاملون .

وهم السعاة الذين يجمعون الزكوات سوى الخليفة والقاضي ويدخل فيه العريف والكاتب والمستوفى والحافظ والنقال ولا يزاد واحد منهم على أجرة المثل ، فإن فضل شيء من الثمن عن أجر مثلهم رد على بقية الأصناف ، وإن نقص كمل من مال المصالح .

التالي السابق


ثم قال المصنف: (الصنف الثالث: العاملون) عليها أي: على الصدقات من طرف الإمام، فإنه يجب على الإمام بعث السعاة لأخذ الصدقات، وإليه أشار بقوله: (وهم السعاة الذين يجمعون الزكوات) فيدخل في اسم العامل الساعي (سوى الخليفة) أي: الإمام الأعظم (والقاضي) وكذا والي الإقليم، فإن هؤلاء لا حق لهم فيها، بل رزقهم إذا لم يتطوعوا في الخمس، الخمس المرصد للمصالح العامة، وهو موافق لما قال أصحابنا: إنه لا تصرف إلى الإمام ولا إلى القاضي؛ لأن كفايتهما في الفيء من الخراج والجزية ونحوه، وهو المعد لصالح المسلمين، فلا حاجة إلى الصدقات، (ويدخل فيه) أي: في لفظ العامل (العريف) ، وهو كالنقيب للقبيلة، (والكاتب) وهو معروف، (والمستوفي) ، وهو الحاسب، (والحافظ) للأموال، (والنقال) الذي ينقل المال من موضع إلى موضع، وكذلك القسام والحاشر الذي يجمع أرباب الأموال .

قال السعودي وكذا الجندي: فهؤلاء يدخلون في اسم العامل، ولهم سهم من الزكاة، (ولا يزاد واحد منهم على أجرة المثل، فإن فضل شيء من الثمن على أجر مثلهم رد على بقية الأصناف، وإن نقص كمل من المصالح) وإنما قدر بالثمن؛ لأن الأصناف ثمانية، والشركة تقتضي المساواة، وإذا لم تقع الكفاية بعامل واحد من ساع وكاتب وغيرهما زيد قدر الحاجة، وفي أجرة الكيال والوزان وعاد الغنم وجهان؛ أحدهما: من سهم العاملين، وأصحهما: أنها على المالك؛ لأنها لتوفية ما عليه كجرة الكيال في البيع، فإنها على المالك .

قال النووي: هذا الخلاف في الكيال ونحوه ممن يميز نصيب الفقير من نصيب المالك، فأما الذي يميز بين الأصناف فأجره من سهم العاملين بلا خلاف، وأما أجرة الراعي والحافظ بعد قبضها، فهل هي في سهم العاملين أم في جملة الصدقات؟ وجهان حكاهما في المستظهري؛ أصحهما: الثاني، وبه قطع صاحب العدة، وأجرة الناقل والمخزن في الجملة، وأما مؤنة إحضار الماشية ليعدها الساعي فعلى المالك .



(فصل)

وقال أصحابنا: ما يأخذه العامل أجرة على عمله وليس من الزكاة وإنما هو عن عمله، وبه قال أحمد، وهو ما يكفيه وأعوانه غير مقدر بالثمن؛ لأن الثمن فيه بطريق الكفاية؛ ولهذا يأخذ وإن كان غنيا إلا أن فيه شبهة الصدقة فلا يأخذه العامل الهاشمي؛ تنزيها لقرابة الرسول عن شبهة الوسخ، والغني لا يوازيه في استحقاق الكرامة، فلم تعتبر الشبهة في حقه، ثم ما يعطيه الإمام العامل وأعوانه وسطا؛ ذهابا وإيابا من غير تقتير ولا إسراف، ولا يزاد على النصف؛ لأن التنصيف عين الإنصاف، وتقدير الشافعي بالثمن بناء على صرف الزكاة إلى كل الأصناف وهم ثمانية إنما يتم على اعتبار عدم سقوط المؤلفة قلوبهم كما سيأتي هذا، ما دام المال باقيا في يده؛ لأنه فرغ نفسه لهذا العمل، وليس ذلك على وجه الإجارة؛ لأنها لا تكون إلا على عمل معلوم وحدة معلومة وأجر معلوم، ولا بطريق الصدقة؛ لما مر أن صاحب الزكاة لو دفعها إلى الإمام بنفسه لم يستحق العامل شيئا ويأخذ ولو كان غنيا، وإنما قيدنا بما دام المال باقيا في يده؛ لأنه لو هلك أو ضاع في يده بطلت عمالته ولا يستحق شيئا، ويسقط الواجب عن أرباب الأموال؛ لأن يده كيد الإمام في القبض أو هو نائب عن الفقراء فيه، فإذا تم القبض سقط الواجب، قال في البزازية: المصدق إذا أخذ عمالته قبل الوجوب فإن الأفضل عدم التعجيل؛ لاحتمال أنه لا يعيش إلى المدة. اهـ .

وهل يسترد ما إذا هلك المال بيده وتعجل عمالته؟ وجهان؛ أظهرهما: لا، ثم على قول أصحابنا وأحمد: يجوز أن يكون العامل عليها من ذوي القربى، لكن المعتمد عنده عدم صحة تولية الهاشمي، واختاره ابن الكمال في إصلاح الإيضاح، ويجوز عند أحمد أن يكون عبدا، [ ص: 145 ] رواية واحدة عنه، وعنه في الكافر روايتان، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يجوز، وإن الإسلام شرط في العامل، قال يحيى بن محمد: ولا أرى أن مذهب أحمد في إجازة أن يكون الكافر على عمل الزكاة على أنه يكون عاملا عليها، وإنما أرى أن إجازة ذلك إنما هو على أن يكون سواقا لها، ونحو ذلك من المهن التي يلابسها مثله .



(فصل)

اعتبار العامل هو المرشد إلى معرفة هذه المعاني والمبين لحقائقها، والمعلم والأستاذ والدال عليها، وهو الجامع لها بعلمه من كل من تجب عليه، فله منها على حد عمالته، قالت الأنبياء: إن أجري إلا على الله، وهو هذا القدر الذي لهم من الزكاة الإلهية، فلهم أخذ زكاة الاعتبار لا زكاة المال؛ فإن الصدقة الظاهرة على الأنبياء حرام؛ لأنهم عبيد، والعبد لا يأخذ الصدقة .




الخدمات العلمية