الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الجملة السادسة : في الوقوف وما قبله .

الحاج إذا انتهى يوم عرفة إلى عرفات يتفرغ لطواف القدوم ودخول مكة قبل الوقوف وإذا وصل قبل ذلك بأيام فطاف طواف القدوم فيمكث محرما إلى اليوم السابع من ذي الحجة فيخطب الإمام بمكة خطبة بعد الظهر عند الكعبة ويأمر الناس بالاستعداد للخروج إلى منى يوم التروية والمبيت بها وبالغدو منها إلى عرفة لإقامة فرض الوقوف بعد الزوال إذ وقت الوقوف من الزوال إلى طلوع الفجر الصادق من يوم النحر فينبغي أن يخرج إلى منى ملبيا

التالي السابق


(الجملة السادسة : في الوقوف وما قبله)

اعلم أن (الحاج إن) سار من الميقات و (انتهى يوم عرفة) هو اليوم التاسع (إلى عرفات) الموضع المعلوم وقد يطلق الأول على الثاني خلافا لبعضهم (فلا يتفرغ إلى طواف القدوم ودخول مكة قبل الوقوف) وليس هذا لكل الحجيج وإنما يفعله حجاج العراق خاصة (وإذا وصل مكة قبل ذلك بأيام) فينظر إن كان متمتعا طاف وسعى وحلق وتحلل من عمرته ثم يحرم بالحج من مكة ويخرج على ما مر في صورة التمتع وكذلك يفعل المقيمون بمكة وإن كان مفردا بالحج أو قارنا بين النسكين (طاف طواف القدوم ويمكث محرما إلى اليوم السابع من ذي الحجة فيخطب الإمام) أو المنصوب من طرفه (خطبة) واحدة بعد صلاة (الظهر عند [ ص: 365 ] الكعبة) أي قريبا منها في حاشية المطاف (ويأمر الناس) فيها (بالاستعداد إلى الخروج إلى منى يوم التروية والمبيت بها) أي بمنى (والغدو منها إلى عرفة) ويخبرهم بما بين أيديهم من المناسك وروى الحاكم والبيهقي من حديث ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم التروية خطب الناس فأمرهم مناسكهم وقال أصحابنا في الحج ثلاث خطب :

الأولى : بمكة قبل يوم التروية .

والثانية : بعرفات يوم التاسع منه .

والثالثة : بمنى يوم الحادي عشر منه .

يفصل بين كل خطبتين بيوم وفيه خلاف زفر لأنه قال : يخطب في ثلاثة أيام متوالية أولها يوم التروية وقال أحمد : لا يخطب اليوم السابع وحديث ابن عمر السابق حجة لنا والخطبة الثانية تفارق الأولى من وجهين : الأول : أن تلك واحدة وهذه ثنتان بينهما جلسة خفيفة كخطبة يوم الجمعة والثاني : أن تلك قبل صلاة الظهر وهذه بعدها ، وأما الثالثة فلا فرق بينها وبين الأولى بوجه والمراد هنا بالمناسك بعضها لأنه يعلم بعضها في الأولى وهو الخروج إلى منى والوقوف بعرفات والصلاة فيها ولذا قال المصنف : (لإقامة فرض الوقوف بعد زوال الشمس) وكذا الإفاضة منها وبعضها في الثانية وهو الوقوف بعرفات والمزدلفة والإفاضة منها ورمي الجمار والنحر والحلق وطواف الزيارة وبعضها في الثالثة وهو ما بقي منها كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وإنما يعلم الوقوف في الخطبة الثانية بعد تعليمه في الخطبة الأولى لاحتمال أن يكون بعض الناس غير حاضر في تلك الخطبة أو لكونه ركنا أعظم في الحج وإنما سمي ثامن ذي الحجة يوم التروية لأنهم كانوا يروون إبلهم في ذلك اليوم استعدادا للوقوف لأن عرفات لم يكن بها ماء إذ ذاك وقيل : لأن إبراهيم -عليه السلام- روي أي فكر في رؤياه فيه ، واختار صاحب الصحاح الأول واختار الزمخشري الثاني وجوز صاحب القاموس الوجهين وقيل : إنما سمي به لأن الإمام يري الناس مناسكهم وقال : المطرزي في المغرب أصلها الهمز وأخذها من الرواية خطأ ومن الري منظور فيه (إذ وقت الوقوف من الزوال إلى طلوع الفجر الصادق من يوم النحر) وبه قال أبو حنيفة وقال أحمد : يدخل وقته بطلوع الفجر يوم عرفة لما روى الدارقطني والحاكم عن عروة بن مضرس الطائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من صلى معنا هذه الصلاة يعني الصبح يوم النحر وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه " لنا اتفاق المسلمين من عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الوقوف بعد الزوال فلو جاز قبله لما اتفقوا على تركه وبه يستدل على أن المراد من الخبر ما بعد الزوال قال الرافعي وينبغي للإمام أن يأمر في خطبته المتمتعين أن يطوفوا قبل الخروج للوداع فلو وافق اليوم السابع الجمعة خطب للجمعة وصلاها ثم خطب هذه الخطبة (فينبغي أن يخرج) بهم اليوم وهو يوم التروية (إلى منى) وهي قرية من الحرم بينها وبين مكة فرسخ والغالب فيها التذكير والصرف وقد تكتب بالألف كذا في المغرب ومفهوم هذا الكلام أن النادر فيها التأنيث والمنع واقتصر صاحب الصحاح على الغالب حيث قال : "وهي مقصور موضع بمكة وهو مذكر يصرف " ، وكذا صاحب القاموس حيث قال : ومنى كإلى قرية بمكة يصرف والتحقيق ما قاله صاحب المغرب لما أن النحاة ذكروا أن الغالب في أسماء البقاع التأنيث فلا تنصرف في المعرفة إلا أنه قد جاء عن العرب تذكير ثلاثة مواضع وصرفوها وجاء عنهم التذكير والتأنيث في خمسة مواضع وعدوا منى منها ثم قالوا : ما عدا هذه المواضع الثمانية الغالب في كلام العرب ترك صرفه وإن خلا من علامة التأنيث والله أعلم .

(ملبيا) أي حالة كونه يلبي عند الخروج إلى منى ويدعو بما شاء قال الرافعي : ومتى يخرج ؟ المشهور أنه يخرج بعد صلاة الصبح بحيث يوافقون الظهر بمنى وحكى ابن كج أن أبا إسحاق ذكر قولا أنهم يصلون الظهر بمكة ثم يخرجون فإذا خرجوا إلى منى باتوا بها ليلة عرفة وصلوا مع الإمام بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح يوم عرفة على المشهور وعلى ما ذكره أبو إسحاق يصلون بها ما سوى الظهر . . أهـ . وقال أصحابنا : اختلف في المستحب من وقت الخروج إلى منى على ثلاثة أقوال والأصح منها أنه بعد طلوع الشمس وهو مبني على اختلاف الروايات في خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى منى متى كان ؟ ففي بعضها ضحوة النهار وفي بعضها بعد الزوال وفي بعضها قبل صلاة الظهر ويمكن أن يكون صلى الله عليه وسلم تأهب للتوجه ضحوة [ ص: 366 ] النهار وتوجه في أول الزوال ويكون أمره بالرواح للراكب المخف الذي يصل إلى منى قبل فوات الصلاة وأمر بالغدو للماشي أو لذي الثقل أو يكون أمر بهما توسعة فيهما فالمتوجه إلى منى مخير بين الغدو والرواح لذلك والله أعلم .




الخدمات العلمية