الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مهما عن له الرجوع إلى الوطن بعد الفراغ من إتمام الحج والعمرة فلينجز أولا أشغاله وليشد رحاله وليجعل آخر أشغاله وداع البيت ووداعه بأن يطوف به سبعا ما سبق ولكن ، من غير رمل واضطباع فإذا فرغ منه صلى ركعتين خلف المقام وشرب من ماء زمزم ، ثم يأتي الملتزم ويدعو ويتضرع ويقول اللهم إن البيت بيتك والعبد عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك ، وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني على قضاء مناسكك فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا وإلا فمن الآن قبل تباعدي عن بيتك هذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ، ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك .

اللهم أصحبني العافية في بدني ، والعصمة في ديني ، وأحسن منقلبي ، وارزقني طاعتك أبدا ما أبقيتني واجمع لي خير الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير .

اللهم لا تجعل هذا آخر عهدي ببيتك الحرام ، وإن جعلته آخر عهدي فعوضني عنه الجنة والأحب أن لا يصرف بصره عن البيت حتى يغيب عنه .

التالي السابق


الثالثة: طواف الوداع واجب مجبور بالدم، أو مستحب غير مجبور، فيه قولان: وجه الوجوب، وبه قال أبو حنيفة ما رواه مسلم، وأبو داود من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا ينصرفن أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت، وهذا أصح على ما قاله صاحب التهذيب والعدة، ووجه المنع وبه قال مالك: إنه لو كان واجبا لوجب على الحائض جبره بالدم، وقال المصنف في الوجيز: وفي كونه مجبورا بالدم قولان أي على سبيل الوجوب إذ لا خلاف في أصل الجبر; لأنه مستحب إن لم يكن واجبا .

وروى القاضي ابن كج طريقة قاطعة بنفي الوجوب .

الرابعة: إذا خرج من غير وداع وقلنا: بوجوب الدم، ثم عاد وطاف فلا يخلو إما أن يعود قبل الانتهاء إلى مسافة القصر، أو بعده، فإما في الحالة الأولى فيسقط عنه الدم كما لو جاوز الميقات غير محرم، ثم عاد إليه، وفي الحالة الثانية وجهان: أصحهما أنه لا يسقط لاستقراره بالسفر الطويل، ووقوع الطواف بعد العود حقا للخروج الثاني، والثاني يسقط كما لو عاد قبل الانتهاء إليها ولا يجب العود في الحالة الثانية، وأما في الأولى فسيأتي .

الخامسة: ليس على الحائض طواف يلزمها وإن لم ينته إلى مسافة القصر، فالنص أنه لا يلزمها العود، ونص في المقصر بالترك أنه يلزمه العود فمنهم من قرر بالنصين، وهو الأصح، ومنهم من قال في الصورتين قولان بالنقل والتخريج، أحدهما: أنه يلزمه العود فيها; لأنه بعد في حد حاضري المسجد الحرام، والثاني: لا يلزم; لأن الوداع يتعلق بمكة فإذا فارقها لم يفترق الحال بين أن يبعد عنها أو لا يبعد فإن قلنا بالثاني: فالنظر إلى نفس مكة أو إلى الحرم فيه وجهان أولهما: أظهرهما فإذا علمت ذلك فاعرف أن طواف الوداع حكمه حكم سائر أنواع الطواف في الأركان والشرائط .

وعن أبي يعقوب الأبيوردي أنه يصح طوف الوداع من غير طهارة، وتجبر الطهارة بالدم، وقد أشار المصنف إلى تلك المسائل بالإجمال، فقال: (ومهما عن) أي بدا (له) أي للحاج (الرجوع إلى الوطن بعد الفراغ من إتمام) أفعال (الحج والعمرة) ، وتم التحلل (فلينجز أول أشغاله) أي يطلب قضاءها ممن وعده إياها، وقد نجزها تنجيزا (وليشد رحله) على بعيره مثلا، (وليجعل آخر أشغاله وداع البيت) لئلا يشتغل بعده بشيء (ووداعه بأن يطوف سبعا) أي سبعة أشواط (كما سبق، وليكن من غير رمل واضطباع) إذ ليس بعده سعي (فإذا فرغ منه صلى ركعتين خلف المقام ويشرب من ماء زمزم، ثم يأتي الملتزم ويدعو ويتضرع) ، روي ذلك عن مجاهد بلفظ: إذا أردت أن تنفر فادخل المسجد فاستلم الحجر، وطف بالبيت سبعا، ثم ائت المقام فصل خلفه ركعتين، ثم اشرب من ماء زمزم، ثم ائت ما بين الحجر والباب، فالصق صدرك وبطنك بالبيت وادع الله عز وجل، واسأل ما أردت، ثم عد إلى الحجر فاستلمه، أخرجه سعيد بن منصور (وليقل) ، ولفظ البيهقي والرافعي.

قال الشافعي: أحب إذا ودع البيت الحرام أن يقف في الملتزم، وهو ما بين الركن والباب فيقول: (اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وابن [ ص: 415 ] عبدك وابن أمتك، حملتني على ما سخرت لي من خلقك حتى سيرتني في بلادك، وبلغتني بنعمتك حتى أعنتني بقضاء مناسكك فإن كنت رضيت عني فأزدد عني رضا ـ وإلا فمن الآن) بكسر الميم من الجارة هكذا هو عند البيهقي والرافعي، وفي بعض نسخ الكتاب: فمن بضم الميم وتشديد النون المفتوحة على أنه فعل أمر من من يمن والمفعول محذوف دل عليه ما قبله تقديره: وإلا فمن علي الرضا الآن، (قبل تباعدي عن بيتك) ، كذا في النسخ .

وفي بعضها: قبل أن تنأى عن بيتك داري، وهكذا هو عند البيهقي أي تبعد من الانتياء افتعال من النأي، وهو البعد، وعن الرافعي: قبل أن تنأى، وزادوا: يبعد عنه مزاري (هذا أو أن انصرافي) ، أي: رجوعي (إن أذنت لي غير مستبدل بك، ولا ببيتك) ، ولا راغب عنك، ولا عن بيتك (اللهم أصحبني) هكذا عن الرافعي، وعند البيهقي اللهم فأصحبني (العافية في بدني، والعصمة في ديني، وأحسن منقلبي، وارزقني طاعتك ما أبقيتني) إلى هنا انتهى نص البيهقي والرافعي.

قال الرافعي: وما زاد فحسن، قال: وزيد فيه (واجمع لي خير الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير) ، ونص الرافعي: إنك قادر على ذلك، وزاد غير الرافعي (اللهم لا تجعل هذا آخر عهدي ببيتك الحرام، وإن جعلته آخر عهدي فعوضني عنه الجنة) ، قال الرافعي: ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وينصرف، (والأحب أن لا تصرف بصرك عن البيت حتى تغيب عنه) ، وذلك أن يمشي قهقرى حتى يخرج من أحد أبواب الحرم إن أمكنه ذلك .




الخدمات العلمية