بيان . إخفاء الصدقة وإظهارها
قد اختلف طريق طلاب الإخلاص في ذلك ؛ فمال قوم إلى أن الإخفاء أفضل ومال قوم إلى أن الإظهار أفضل ونحن نشير إلى ما في كل واحد من المعاني والآفات ثم نكشف الغطاء عن الحق فيه .
أما الإخفاء ففيه خمسة معان :
الأول : أنه أبقى للستر على الآخذ فإن أخذه ظاهرا هتك لستر المروءة وكشف ، عن الحاجة وخروج عن هيئة التعفف والتصون المحبوب الذي يحسب الجاهل أهله أغنياء من التعفف .
الثاني أنه أسلم لقلوب الناس وألسنتهم فإنهم ربما يحسدون أو ينكرون عليه أخذه ويظنون أنه أخذ مع الاستغناء أو ينسبونه إلى أخذ زيادة .
والحسد وسوء الظن والغيبة من الذنوب الكبائر وصيانتهم عن هذه الجرائم أولى .
وقال أبو أيوب السختياني إني لأترك لبس الثوب الجديد خشية أن يحدث في جيراني حسدا .
وقال بعض الزهاد : ربما تركت استعمال الشيء لأجل إخواني يقولون من أين له هذا ؟! وعن إبراهيم التيمي أنه رؤي عليه قميص جديد ، فقال بعض إخوانه : من أين لك هذا ؟ فقال كسانيه : أخي خيثمة ولو علمت أن أهله علموا به ما قبلته .
الثالث : إعانة المعطي على إسرار العمل فإن أكثر والإعانة على إتمام المعروف معروف والكتمان لا يتم إلا باثنين ، فمهما أظهر هذا انكشف أمر المعطي ودفع رجل إلى بعض العلماء شيئا ظاهرا فرده إليه ودفع إليه آخر شيئا في السر فقبله ، فقيل له في ذلك ، فقال : إن هذا عمل بالأدب في إخفاء معروفه فقبلته وذاك أساء أدبه في عمله فرددته عليه وأعطى رجل لبعض الصوفية شيئا في الملأ فرده فقال له لم ترد على الله عز وجل ما أعطاك ؟ فقال إنك : أشركت غير الله سبحانه فيما كان لله تعالى ، ولم تقنع بالله عز وجل ، فرددت عليك شركك . فضل السر على الجهر في الإعطاء
وقبل بعض العارفين في السر شيئا كان رده في العلانية ، فقيل له في ذلك فقال : عصيت الله بالجهر فلم أك عونا لك على المعصية وأطعته بالإخفاء فأعنتك على برك .
وقال لو علمت أن أحدكم لا يذكر صدقته ولا يتحدث بها لقبلت صدقته . الثوري :
الرابع : أن في إظهار الأخذ ذلا وامتهانا ، وليس للمؤمن أن يذل نفسه .
كان بعض العلماء يأخذ في السر ولا يأخذ في العلانية ، ويقول إن : في إظهاره إذلالا للعلم وامتهانا لأهله فما كنت بالذي أرفع شيئا من الدنيا بوضع العلم وإذلال أهله .