والثاني : . إسقاط الجاه والمنزلة وإظهار العبودية والمسكنة والتبري عن الكبرياء ودعوى الاستغناء وإسقاط النفس من أعين الخلق
قال بعض العارفين لتلميذه أظهر الأخذ على كل حال إن كنت آخذا ؛ فإنك لا تخلو عن أحد رجلين :
رجل تسقط من قلبه إذا فعلت ذلك ، فذلك هو المراد لأنه أسلم لدينك وأقل لآفات نفسك أو رجل تزداد في قلبه بإظهارك الصدق فذلك الذي يريده أخوك ؛ لأنه يزداد ثوابا بزيادة حبه لك وتعظيمه إياك فتؤجر أنت ؛ إذ كنت سبب مزيد ثوابه .
الثالث : هو أن العارف لا نظر له إلا إلى الله عز وجل ، والسر والعلانية في حقه واحد فاختلاف الحال شرك في التوحيد قال بعضهم كنا لا نعبأ بدعاء من يأخذ في السر ويرد في العلانية .
والالتفات إلى الخلق حضروا أم غابوا نقصان في الحال بل ينبغي أن يكون النظر مقصور على الواحد الفرد .
حكي أن بعض الشيوخ كان كثير الميل إلى واحد من جملة المريدين فشق على الآخرين فأراد أن يظهر لهم فضيلة ذلك المريد فأعطى كل واحد منهم دجاجة وقال : لينفرد كل واحد منكم بها وليذبحها حيث لا يراه أحد فانفرد كل واحد وذبح إلا ذلك المريد فإنه رد الدجاجة فسألهم فقالوا : فعلنا ما أمرنا به الشيخ ، فقال الشيخ للمريد : ما لك لم تذبح كما ذبح أصحابك ؟ فقال ذلك المريد : لم أقدر على مكان لا يراني فيه أحد ؛ فإن الله يراني في كل موضع فقال الشيخ لهذا أميل إليه ؛ لأنه لا يلتفت لغير الله عز وجل .