السادس : أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقا مضطربا بين الخوف والرجاء إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين وليكن كذلك في آخر كل عبادة يفرغ منها فقد روي عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون فقال : إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا وتخلف أقوام فخابوا فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون .
أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أي كان : سرور المقبول يشغله عن اللعب وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك وعن أنه قيل له : إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك فقال : إني أعده لسفر طويل والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه فهذه هي المعاني الباطنة في الصوم . الأحنف بن قيس
فإن قلت فمن : اقتصر على كف شهوة البطن والفرج وترك هذه المعاني فقد قال الفقهاء صومه صحيح فما معناه فاعلم أن فقهاء الظاهر يثبتون شروط الظاهر بأدلة هي أضعف من هذه الأدلة التي أوردناها في هذه الشروط الباطنة لا سيما الغيبة وأمثالها ولكن ليس إلى فقهاء الظاهر من التكليفات إلا ما يتيسر على عموم الغافلين المقبلين على الدنيا الدخول تحته .
فأما علماء الآخرة فيعنون بالصحة القبول وبالقبول الوصول إلى المقصود ويفهمون أن بالملائكة في الكف عن الشهوات بحسب الإمكان فإنهم منزهون عن الشهوات . المقصود من الصوم التخلق بخلق من أخلاق الله عز وجل وهو الصمدية والاقتداء
والإنسان رتبته فكلما انهمك في الشهوات انحط إلى أسفل السافلين والتحق بغمار البهائم وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة . فوق رتبة البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه وكونه مبتلى بمجاهدتها
والملائكة مقربون من الله عز وجل والذي يقتدي بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب من الله عز وجل كقربهم فإن الشبيه من القريب قريب وليس القرب ثم بالمكان بل بالصفات .