الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ويوم عاشوراء

التالي السابق


ثم قال المصنف (ويوم عاشوراء) هو العاشر من المحرم على المشهور بين العلماء سلفهم وخلفهم وفيه لغات المد والقصر مع الألف بعد العين وعاشوراء كهارون وقال بعضهم : هو تاسع المحرم وفي ذلك خلاف [ ص: 255 ] بيناه في شرح القاموس وقد روى مسلم وابن حبان من حديث أبي قتادة مرفوعا : "صوم عاشوراء يكفر سنة " ، قال العراقي : ويستحب أن يصوم معه التاسع منه لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال : "لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع " قال الحافظ : رواه مسلم من وجهين من حديث ابن عباس ورواه البيهقي من رواية ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن ابن عباس بلفظ : "لئن بقيت إلى قابل لآمرن بصيام يوم قبله أو يوم بعده يوم عاشوراء " ثم قال الرافعي : في صوم التاسع معنيان منقولان عن ابن عباس أحدهما : الاحتياط فإنه ربما يقع في الهلال غلط فيظن العاشر التاسع والثاني : مخالفة اليهود فإنهم لا يصومون إلا يوما واحدا فعلى هذا لو لم يصم التاسع معه استحب أن يصوم الحادي عشر .

قال الحافظ : أما المعنى الأول : فروى البيهقي من طريق ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس قال : كان ابن عباس يصوم عاشوراء يومين ويوالي بينهما مخافة أن يفوته وأما المعنى الثاني : فقال الشافعي : أخبرنا سفيان أنه سمع عبد الله بن أبي يزيد يقول : سمعت ابن عباس يقول : صوموا التاسع والعاشر ولا تشبهوا باليهود ، وفي رواية له عنه : صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود وصوموا قبله يوما أو بعده يوما .

وفي كتاب الشريعة : قامت حركة يوم عاشوراء في القوة مقام قوى أيام السنة كلها إذا عومل كل يوم بما يليق به من عبادة الصوم فحمل بقوته على الذي صامه جميع ما أجرم في السنة التي قبله فلا يؤاخذ بشيء مما اجترم فيها رمضان وغيره من الأيام الفاضلة والليالي مع كون رمضان أفضل منه ويوم عرفة وليلة القدر ويوم الجمعة مما يكفر الصوم فمثله الإمام إذا صلى بمن هو أفضل منه كابن عوف حين صلى برسول الله صلى الله عليه وسلم المقطوع بفضله فإنه يحمل سهو المأموم مع كونه أفضل فلا تستبعد أن يحمل صوم عاشوراء جرائم المجرم في أيام السنة كلها ولو شاهدت الأمر أو كنت من أهل الكشف عرفت صحة ما قلناه وما أراده الشارع وأما اعتبار أنه العاشر أو التاسع فاعلم أن هنا حكم الاسم الآخر فمن أقيم في مقام أحدية ذاته صام العاشر فإنه أول آحاد العقد ومن أقيم مقام الاسم الآخر الإلهي صام التاسع فإنه آخر بسائط العدد ولما كان صوم عاشوراء مرغبا فيه وكان فرضه قبل فرض رمضان صح له مقام الوجوب وكان حكمه حكم الواجب فمن صامه حصل له قرب الواجب وقرب المندوب إليه فكان لصاحبه مشهدين وتجليين يعرفهما من ذاقهما من حيث أنه صام يوم عاشوراء .




الخدمات العلمية