وقد ذهب بعض العلماء إلى الاستدلال بهذا الحديث في المنع من الرحلة لزيارة المشاهد وقبور العلماء والصلحاء وما تبين لي أن الأمر كذلك بل الزيارة مأمور بها ، قال صلى الله عليه وسلم : " والحديث إنما ورد في المساجد وليس في معناها المشاهد لأن المساجد بعد المساجد الثلاثة متماثلة ولا بلد إلا وفيه مسجد فلا معنى للرحلة إلى مسجد آخر وأما المشاهد فلا تتساوى بل بركة زيارتها على قدر درجاتهم عند الله عز وجل نعم لو كان في موضع لا مسجد فيه فله أن يشد الرحال إلى موضع فيه مسجد وينتقل إليه بالكلية إن شاء ثم ليت شعري هل يمنع هذا القائل من " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا مثل شد الرحال إلى قبور الأنبياء عليهم السلام إبراهيم وموسى ويحيى وغيرهم عليهم السلام فالمنع من ذلك في غاية الإحالة فإذا جوز هذا فقبور الأولياء والعلماء والصلحاء في معناها فلا يبعد أن يكون ذلك من أغراض الرحلة كما أن زيارة العلماء في الحياة من المقاصد هذا في الرحلة أما المقام فالأولى بالمريد أن يلازم مكانه إذا لم يكن قصده من السفر استفادة العلم مهما سلم له حاله في وطنه فإن لم يسلم فيطلب من المواضع ما هو أقرب إلى الخمول وأسلم للدين وأفرغ للقلب وأيسر للعبادة فهو أفضل المواضع له قال صلى الله عليه وسلم : " البلاد بلاد الله عز وجل والخلق عباده فأي موضع رأيت فيه رفقا فأقم واحمد الله تعالى .
" وفي الخبر " من بورك له في شيء فليلزمه ومن جعلت معيشته في شيء فلا ينتقل عنه حتى يتغير عليه "
وقال أبو نعيم رأيت سفيان الثوري وقد جعل جرابه على كتفه وأخذ نعليه بيده فقلت : إلى أين يا أبا عبد الله قال ؟ : إلى بلد أملأ فيه جرابي بدرهم .
وفي حكاية أخرى بلغني عن قرية فيها رخص أقيم فيها قال فقلت وتفعل هذا يا أبا عبد الله فقال ؟ : نعم ، إذا سمعت برخص في بلد فاقصده ، فإنه أسلم لدينك وأقل لهمك . وكان يقول : هذا زمان سوء لا يؤمن فيه على الخاملين ، فكيف بالمشهورين ؟ هذا زمان تنقل يتنقل الرجل من قرية إلى قرية يفر بدينه من الفتن .
ويحكى عنه أنه قال : والله ما أدري أي البلاد أسكن ؟ فقيل له : خراسان ؟ فقال : مذاهب مختلفة وآراء ، فاسدة قيل . : فالشام ؟ قال : يشار إليك بالأصابع . أراد الشهرة قيل : فالعراق ؟ قال : بلد الجبابرة قيل مكة : ؟ قال : مكة تذيب الكيس والبدن وقال له رجل غريب : عزمت على المجاورة بمكة فأوصني . قال : أوصيك بثلاث لا تصلين في الصف الأول ولا ؛ تصحبن قرشيا ، ولا تظهرن صدقة ، وإنما كره الصف الأول لأنه يشتهر فيفتقد إذا غاب فيختلط بعمله التزين والتصنع .