الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الرابع الجماع وهو مفسد قبل التحلل الأول

التالي السابق


(الرابع) من المحظورات (الجماع) قال الله تعالى : فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ، والرفث مفسر بالجماع (وهو مفسد) النسك يروى ذلك عن عمر ، وعلي ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، وغيرهم من الصحابة ، واتفق الفقهاء عليه بعدهم وإنما يفسد الحج بالجماع (قبل التحلل الأول) اعلم أن أسباب تحلل الحج غير خارجة عن الأعمال الأربعة ، والذبح غير معدود منها ؛ لأنه لا يتوقف التحلل عليه بقي الرمي ، والحلق ، والطواف ، فإن لم نجعل الحلق نسكا ، فللتحلل سببان الرمي ، والطواف فإذا أتى بأحدهما يحصل التحلل الأول ، وإذا أتى بالثاني لا بد من السعي بعد الطواف إن لم يسع قبل لكنهم لم يفردوه ، وعدوه مع الطواف شيئا واحدا وإن جعلنا الحلق نسكا ، فالثلاثة أسباب التحلل ، فإذا أتى باثنين منها إما الحلق ، والرمي ، أو الرمي ، والطواف ، أو الحلق ، والطواف حصل التحلل الأول ، وإذا أتى بالثالث حصل الثاني . قال الإمام وشيخه كان ينبغي التنصيف لكن ليس للثلاثة نصف صحيح فنزلنا الأمر على اثنين ، فإذا ظهر لك معرفة أسباب التحلل للحج فاعلم أن المصنف قال في الوجيز إن الجماع إنما يفسد الحج إذا وقع قبل التحللين . قال الرافعي : لقوة الإحرام ، ولا فرق بين أن يقع قبل الوقوف بعرفة ، أو بعده .

قلت : والذي نقله القاضي الحسين ، والماوردي الإجماع على فساد الحج بالجماع إذا كان [ ص: 320 ] قبل الوقوف بعرفة . أهـ .

وقال أبو حنيفة : لا يفسد بالجماع بعد الوقوف ، ولكن تلزم به الفدية ، وأما الجماع بين التحلل ، فلا أثر له في الفساد ، وعن مالك ، وأحمد أنه يفسد ما بقي من إحرامه ، ويقرب منه ما ذكر القاضي ابن كج أن أبا القاسم الداركي ، وأبا علي الطبري حكيا قولا عن القديم أنه يخرج إلى أدنى الحل ، ويجدد منه إحراما ، ويأتي بعمل عمرة ، وأطلق الإمام نقل وجه أنه مفسد كما قبل التحلل ، ثم سائر العبادة لا حرمة لها بعد الفساد ، ويصير الشخص خارجا منها لكن الحج ، والعمرة وإن فسدا يجب المضي فيهما ، وذلك بإتمام ما كان يفعله ، لولا عروض الفساد . روي عن ابن عمر ، وعلي ، وابن عباس ، وأبي هريرة - رضي الله عنهم - أنهم قالوا : من أفسد حجه مضى في فاسده ، وقضى من قابل . كذا رواه مالك في الموطأ بلاغا عنهم .



(تنبيه)

وتفسد العمرة أيضا بالجماع قبل حصول التحلل ، ووقت التحلل عنها مبني على الخلاف السابق في الحلق ، فإن لم نجعله نسكا ، فإنما يفسد بالجماع قبل السعي ، وإن جعلناه نسكا ، فيفسد أيضا بالجماع قبل الحلق ، وقال أبو حنيفة : إنما تفسد إذا جامع قبل أن يطوف أربعة أشواط ، فأما بعد ذلك فلا ، ثم إن اللواط ، وإتيان البهيمة في الإفساد كالوطء في الفرج ، وبه قال أحمد خلافا لأبي حنيفة فيهما ، ولمالك في إتيان البهيمة ، وروى ابن كج وجها كمذهب مالك .




الخدمات العلمية