الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ولا بأس بطيب يبقى جرمه بعد الإحرام فقد رؤي بعض المسك على مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الإحرام مما كان استعمله قبل الإحرام .

التالي السابق


(ولا بأس بطيب يبقى جرمه بعد الإحرام ) ، أي : لا فرق بين ما يبقى له أثر ، وجرم بعد الإحرام ، وبين ما لا يبقى له (فقد رئي وبيص المسك) ، أي : بريقه (على مفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الإحرام مما كان استعمله قبل الإحرام) قال العراقي : متفق عليه من حديث عائشة قالت : كنت أنظر إلى وبيص المسك . الحديث . أهـ . وتمامه : في مفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو محرم . هذا لفظ مسلم ، ولفظ البخاري : الطيب بدل المسك ، ومفارق بدل مفرق . وزاد النسائي ، وابن حبان : بعد ثلاث ، وهو محرم ، وفي رواية لمسلم : كان إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد ثم أرى وبيص المسك في رأسه ، ولحيته بعد ذلك . وإنما أدرج المصنف التطيب تحت لبس الإزار ، والرداء ، ولم يعده سنة مستقلة ؛ لأن من الأصحاب من روى وجها أنه ليس من السنن ، والمحبوبات ، وإنما هو مباح . نقله الرافعي ، ثم إن اللفظ مطلق لا يفرق بين الرجال ، والنساء ، والاستحباب شامل للصنفين في ظاهر المذهب ، وحكى في المعتمد قولا عن نقل الداركي أنه لا يستحب لهن الطيب بحال ، ووجها أنه لا يجوز لهن الطيب بطيب يبقى عينه ، وقول المصنف ، ولا بأس . . . إلخ فيه خلاف أبي حنيفة ، ومالك ، فقد روت شرذمة عن أبي حنيفة المنع من ذلك ، ومنهم المصنف في الوسيط ، لكن الثابت عنه مثل مذهب الشافعي ، وروي عن مالك كراهة الطيب الذي تبقى رائحته بعد الإحرام ، وروي عنه منع الطيب مطلقا .



(تنبيه)

إذا تطيب لإحرامه ، فله أن يستديم بعد الإحرام ما تطيب به بخلاف ما إذا تطيبت المرأة ، ثم لزمتها العدة تلزمها إزالته في وجه ؛ لأن في العدة حق الآدمي ، فتكون المضايقة فيها أكثر ، ولو أخذه من موضعه بعد الإحرام ورده إليه ، أو إلى موضع آخر لزمته الفدية ، وروى الحناطي فيه قولين ، ولو انتقل من موضع إلى موضع بإسالة العرق إياه فوجهان : أصحهما أنه لا يلزمه شيء لتولده عن مندوب إليه من غير قصد منه ، والثاني : إن عليه الفدية إذا تركه كما لو أصابه من موضع ؛ لأن في الحالين أصاب الطيب بعد الإحرام موضعا لم يكن عليه طيب هذا كله في البدن . وفي تطييب إزار الإحرام وردائه وجهان ؛ أحدهما لا يجوز ؛ لأن الثوب ينزع ويلبس فإذا نزعه ، ثم أعاده كان كما لو استأنف لبس ثوب مطيب ، وأصحهما أنه يجوز كما يجوز تطييب البدن ، وبعضهم ينقل هذا الخلاف قولين ، والمشهور الأول ، وفي النهاية وجه ثالث ، وهو الفرق بين أن لا تبقى عليه عين بالإحرام فيحوز ، وبين أن يبقى فلا يجوز كما لو شد مسكا في ثوبه ، واستدامه قال الإمام : والخلاف فيما إذا قصد تطييب الثوب ، أما إذا طيب بدنه فتعطر ثوبه تبعا فلا حرج بلا خلاف ، فإن جوزنا تطييب الثوب للإحرام ، فلا بأس باستدامة ما عليه بعد الإحرام كما في البدن ، لكن لو نزعه ، ثم لبسه ، ففي الفدية وجهان ؛ أحدهما لا تلزم ؛ لأن العادة في الثوب أن ينزع ، ويعار فجعل عفوا وأصحهما أنها تلزم كما لو أخذ الطيب من بدنه ثم رده إليه ، وكما لو ابتدأ لبس ثوب مطيب بعد الإحرام .



(فصل)

تقدم أن المصنف عزا في الوسيط إلى الإمام أبي حنيفة القول بمنع استعمال الطيب للمحرم قبل إحرامه ، وأنه ليس بمشهور عنه قال : وهو كذلك ، فإن أصحابنا نقلوا أنه يجوز له ذلك بأي طيب كان ، سواء كان مما يبقى فيه بعد الإحرام ، أو ما لا يبقى ، وهو ظاهر الرواية . وروي عن محمد ، وزفر تقيده بما لا تبقى عينه بعد الإحرام كما في الصحيحين من حديث علي بن أمية قال : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل متضمخ ، وعليه جبة ، فقال : يا رسول الله ، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بطيب ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أما الذي بك فاغسله ثلاث مرات ، وأما الجبة فانزعها ، ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك . ولأنه يصير بعد الإحرام منتفعا بعين الطيب ، وهو ممنوع عنه ، ولأبي حنيفة حديث عائشة المتقدم ذكره ، وأجاب عن حديث يعلى بأنه منسوخ ؛ لأنه كان في سنة ثمان بالجعرانة ، وحديث عائشة في حجة الوداع سنة عشر ، وهكذا أجاب عنه الشافعي [ ص: 335 ] أيضا ، وقيل في الجواب بأن الطيب كان من زعفران ، وقد نهي الرجل عن التزعفر . قال الحافظ ابن حجر : وكأن هذا الجواب مأخوذ من رواية مسلم : وهو مصفر رأسه ، ولحيته ، وأصرح منه حديث أحمد : واغسل عنك هذا الزعفران ، وحديث النهي عن التزعفر متفق عليه عن أنس ، والله أعلم .

وأجيب عن قولهم إنه يصير بعد الإحرام منتفعا بعين الطيب بأن الباقي من الطيب في جسده بعد الإحرام تابع له كالحلق . هذا في البدن ، وأما في الثوب ، ففيه روايتان ، والمأخوذ به أنه لا يجوز والفرق أنه اعتبر في البدن تابعا ، والمتصل بالثوب منفصل عنه ، وأيضا المقصود من استنانه ، وهو حصول الارتفاق حالة المنع منه حاصل بما في البدن فأغنى عنه بتجويزه في الثوب ، والله أعلم .



(فرع)

قال الرافعي : يستحب للمرأة أن تخضب بالحناء يديها إلى الكوعين قبل الإحرام . روي أن من السنة أن تمسح المرأة يديها للإحرام بالحناء ، وتمسح وجهها أيضا بشيء من الحناء ؛ لأنا نأمرها في الإحرام بنوع تكشف ، فلتستر لون البشرة بلون الحناء ، ولا يخص أصل الاستحباب بحالة الإحرام ، بل هو محبوب في غيرها من الأحوال .

روي أن امرأة بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأخرجت يدها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أين الحناء ؟ نعم في حالة الإحرام لا فرق بين ذات الزوج ، والخلية في سائر الأحوال لها تعميم اليد بالخضاب دون التنقيش ، والتسويد ، والتطريف ، والتطريف أن تخضب أطراف الأصابع ، وقد ورد النهي عنه ، والله أعلم .




الخدمات العلمية