الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وابتداء السعي من أصل الجبل كاف وهذه الزيادة مستحبة ولكن بعض تلك الدرج مستحدثة فينبغي أن لا يخلفها وراء ظهره فلا يكون متمما للسعي وإذا ابتدأ من ههنا سعى بينه وبين المروة سبع مرات .

وعند رقيه في الصفا ينبغي أن يستقبل البيت ويقول : " الله أكبر الله أكبر ، الحمد لله على ما هدانا ، الحمد لله بمحامده كلها على جميع نعمه كلها ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين ، فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون اللهم إني أسألك إيمانا دائما ، ويقينا صادقا ، وعلما نافعا ، وقلبا خاشعا ، ولسانا ذاكرا ، وأسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة " ، ويصلي على محمد صلى الله عليه وسلم ويدعو الله عز وجل بما شاء من حاجته عقيب هذا الدعاء .

ثم ينزل ويبتدئ السعي وهو يقول : " رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ويمشي على هينة حتى ينتهي إلى الميل الأخضر وهو أول ما يلقاه إذا نزل من الصفا وهو على زاوية المسجد الحرام فإذا بقي بينه وبين محاذاة الميل ستة أذرع أخذ في السير السريع وهو الرمل حتى ينتهي إلى الميلين الأخضرين .

ثم يعود إلى الهينة فإذا انتهى إلى المروة صعدها كما صعد الصفا وأقبل بوجهه على الصفا ودعا بمثل ذلك الدعاء وقد حصل السعي مرة واحدة فإذا عاد إلى الصفا حصلت مرتان يفعل ذلك سبعا ويرمل في موضع الرمل في كل مرة ويسكن في موضع السكون كما سبق وفي كل نوبة يصعد الصفا والمروة فإذا فعل ذلك فقد فرغ من طواف القدوم والسعي وهما سنتان .

والطهارة مستحبة للسعي وليست بواجبة بخلاف الطواف وإذا سعى فينبغي أن لا يعيد السعي بعد الوقوف ويكتفي بهذا ركنا فإنه ليس من شروط السعي أن يتأخر عن الوقوف وإنما ذلك شرط في طواف الركن نعم شرط كل سعي أن يقع بعد طواف أي طواف كان .

[ ص: 364 ]

التالي السابق


(وابتداء السعي من أصل الجبل كاف وهذه الزيادة مستحبة لكن بعض تلك الدرج مستحدثة فينبغي أن لا يخلفها وراء ظهره فلا يكون متما للسعي) قال الرافعي : الترقي على الصفا والمروة من السنن والواجب السعي بينهما وقد يتأتى ذلك من غير رقي بأن يلصق العقب بأصل ما يسير منه ويلصق رؤوس أصابع رجليه بما يسير إليه بين الجبلين وروي عن أبي حفص بن الوكيل أنه يجب الرقي عليهما قامة رجل والمشهور هو الأول وقد روي عن عثمان وغيره من الصحابة رضي الله عنهم من غير إنكار .

قلت : وأخرج الأزرقي عن ابن جريج أن إنسانا سأل عطاء أيجزئ الذي يسعى بين الصفا والمروة أن لا يرقى واحدا منهما وأن يقوم بالأرض قائما قال : إي لعمري وما له؟ وأخرج سعيد بن منصور بلفظ قال : نعم ما كان يصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا إلا قليلا (وإذا ابتدأ من ههنا سعى بينه وبين المروة سبع مرات وعند رقيه في الصفا ينبغي [ ص: 361 ] أن يقبل على البيت) أي : يستقبله (ويقول : "الله أكبر الله أكبر ، الحمد لله على ما هدانا ، الحمد لله بمحامده كلها على جميع نعمه كلها ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين ، فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون اللهم إني أسألك إيمانا دائما ، ويقينا صادقا ، وعلما نافعا ، وقلبا خاشعا ، ولسانا ذاكرا ، وأسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة " ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو الله بما شاء من حاجته عقيب هذا الدعاء) أخرجه البيهقي في السنن والآثار عن الشافعي رضي الله عنه قال : أحب أن يخرج إلى الصفا من باب الصفا ويظهر عليه بحيث يرى البيت ويستقبل البيت فيكبر ويقول : "الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما هدانا وأولانا لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " ثم يدعو ويلبي ثم يعود ويقول مثل هذا القول حين يقوله ثلاثا ويدعو في كل ما بين كل تكبيرتين بما بدا له من دين ودنيا . . أهـ . قلت : وروي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وقف على الصفا كبر ثلاثا ثم يقول : "لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " يصنع ذلك ثلاث مرات ويدعو ، ويصنع على المروة مثل ذلك زاد في رواية : يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، قال ثلاث مرات : لا إله إلا الله وحده . . .إلخ ، فكبر الله وحمده ثم دعا ما قدر له ثم مشى حتى أتى المروة فصعد فيها ثم بدا له البيت فقال : "لا إله إلا الله وحده لا شريك له . . . إلخ " ثلاث مرات وسبحه وحمده ثم دعا بما شاء الله ثم فعل هذا حتى فرغ .

أخرجه النسائي بطرقه .

وأخرج فيما ذكر أنه متفق عليه عن سعيد بن جبير أنه كان يكبر ثلاثا ويقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له . . .إلخ يصنع ذلك سبع مرات ويصنع على المروة كذلك في كل شوط وأخرجه أبو ذر الهروي وزاد بعد قوله : يصنع ذلك سبع مرات فذلك إحدى وعشرون تكبيرة وسبع من التهليل ويدعو فيما بين ذلك ويسأله على المروة مثل ذلك وفي رواية : ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم .

وأخرج أبو ذر أيضا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنه كان يعلم الناس بمكة ويقول : إذا قدم أحدكم حاجا أو معتمرا فليطف بالبيت سبعا ، وليصل عند المقام ، ثم يبدأ بالصفا فيقوم عليه ويستقبل البيت ويكبر سبع تكبيرات بين كل تكبيرتين حمد الله تعالى وثناء عليه وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومسألة لنفسه وعلى المروة مثل ذلك .

وأخرج معناه سعيد بن منصور في السنن .

وأخرج البغوي في شرح السنة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل مكة فأقبل إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت ثم أتى الصفا فعلا حتى نظر إلى البيت فرفع يديه فجعل يذكر الله ما شاء أن يذكره ويدعوه والأنصار تحته ، وقال الرافعي : وليكن من دعائه على الجبلين ما يؤثر عن ابن عمر : "اللهم اعصمني بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك ، اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك ورسلك وعبادك الصالحين ، اللهم آتني من خير ما تؤتي عبادك الصالحين ، اللهم اجعلني من المتقين ، واجعلني من ورثة جنة النعيم ، واغفر لي خطيئتي يوم الدين " .

قلت : قال الحافظ : رواه الطبراني والبيهقي في كتاب الدعاء والمناسك له من حديثه موقوفا ، قال الضياء : إسناده جيد . . أهـ . قلت : وأخرجه أبو ذر الهروي بأتم منه كما سبق في الدعاء بعد ركعتي الطواف ، وأخرجه سعيد بن منصور وزاد بعد قوله : واغفر لي خطيئتي يوم الدين : "اللهم إنك قلت : ادعوني أستجب لكم وإنك لا تخلف الميعاد ، اللهم إذ هديتني للإسلام فلا تنزعه مني ولا تنزعني منه حتى تتوفاني عليه وقد رضيت عني ، اللهم لا تقدمني لعذاب ولا تؤخرني لسيئ العيش " وأخرج مالك طرفا منه وأخرجه بكمالهابن [ ص: 362 ] المنذر وهذه الزيادة التي عند أبي ذر الهروي أخرجها البخاري ومسلم بلفظ : "اللهم إنك قلت : ادعوني أستجب لكم وإنك لا تخلف الميعاد وإني أسألك كما هديتني للإسلام أن لا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم " وهذه الزيادة هي التي رواها مالك وأما قول المصنف في أثناء الدعاء "اللهم إني أسألك إيمانا دائما " إلى قوله : "الآخرة " روي ذلك من حديث أبي ذر الغفاري مرفوعا بينته في شرحي على الحزب الكبير لأبي حسن الشاذلي قدس سره (ثم ينزل) من الصفا (ويبتدئ السعي وهو يقول : "رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم) رواه الطبراني في الدعاء وفي الأوسط من حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سعى بين الصفا والمروة في بطن المسيل قال : "اللهم اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم " وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف ، وقد رواه البيهقي موقوفا من حديث ابن مسعود أنه لما هبط إلى الوادي سعى فقال فذكره وقال : هذا أصح الروايات في ذلك عن ابن مسعود قال الحافظ : يشير إلى تضعيف المرفوع قلت : وأخرج سعيد بن منصور عن شقيق قال : كان عبد الله إذا سعى في بطن الوادي قال : رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم .

وأخرج أيضا عن مسعود أنه اعتمر فلما خرج إلى الصفا بعد طوافه قام على شق في وسطها ثم استقبل بوجهه الكعبة ثم لبى ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن إن ناسا من أصحابك ينهون عن التلبية هنا قال : ولكن آمرك به هل تدري ما الإهلال ؟ إنما استجابة لربه عز وجل فقام عليه هنيهة ثم نزل فمشى ومشيت حتى أتى إلى المسعى فسعى وسعيت معه حتى جاوز الوادي وهو يقول : "رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم " ثم مشى حتى انتهى إلى المروة فصعد عليها فاستقبل الكعبة وصنع مثل ما فعل على الصفا ثم طاف بينهما حتى أتم سبعة أطواف وأخرج أبو حفص الملا في سيرته عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سعيه : "رب اغفر وارحم واهدني السبيل الأقوم " وعن امرأة من بني نوفل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين الصفا والمروة : "رب اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم "وزاد إمام الحرمين في النهاية بعد قوله : الأكرم (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) وقال : صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول بين الصفا والمروة ذلك . . أهـ .

وقال الحافظ : وفيه نظر أي لم يثبت ذلك من طريق يصح ولا ضعيف لما عرفت في الآثار المتقدمة . قلت : ونقل البيهقي عن الشافعي أنه قال : أن تقول في الأطواف الأربعة : "رب اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم ، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " . . أهـ . لكن هذا في خصوص الأطواف بالبيت لا بين الصفا والمروة (ويمشي على هينة) أي : سكينة وأصلها هونة بالضم (حتى ينتهي إلى الميل الأخضر وهو أقل ما يلقاه إذا نزل من الصفا وهو على زاوية المسجد الحرام فإذا بقي بينه وبين محاذاة الميل ستة أذرع أخذ في السير السريع وهو الرمل) محركة (حتى ينتهي إلى الميلين الأخضرين) قال الرافعي : ثم إن المسافة بين الجبلين يقطع بعضها مشيا وبعضها عدوا ، وبين الشافعي ذلك فقال : ينزل من الصفا ويمشي على سجية مشيه حتى يبقى بينه وبين الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد وركنه قدر سته أذرع فحينئذ يسرع في المشي ويسعى سعيا شديدا وكان ذلك الميل موضوعا على متن الطريق في الموضع الذي يبتدأ منه السعي إعلاما وكان السيل تهدمه فرفعوه على أعلى ركن المسجد ولذلك سمي معلقا فوقع متأخرا عن مبتدأ السعي حتى يتوسط بين الميلين الأخضرين اللذين أحدهما متصل بفناء المسجد عن يسار الساعي والثاني متصل بدار العباس فإذا حاذاهما عاد إلى سجية المشي حتى ينتهي إلى المروة وقال القاضي الروياني وغيره : وهذه الأسامي كانت في زمن الشافعي -رحمه الله تعالى- وليس هناك اليوم دار تعرف بدار العباس ولا ميل أخضر وتغيرت الأسامي . . أهـ . وقال أصحابنا : وصف الميلين بالأخضرين على التغليب وإلا فأحدهما أحمر وقيل : أصفر قال الشمني في شرح النقاية : وكلاهما في جهة اليسار لمن يمر إلى المروة وكذلك في جهة يمينه جعلا علامة على بطن الوادي وآخره الذي هو محل السعي لما أذهبت السيول أثره . . أهـ . وقال في المغرب : هما علامتان لموضع الهرولة في ممر بطن [ ص: 363 ] الوادي بين الصفا والمروة (فإذا انتهى إلى المروة صعدها كما صعد الصفا وأقبل بوجهه على الصفا ودعا بمثل ذلك الدعاء) وفي حديث عمر الذي تقدم من تخريج أبي ذر الهروي أنه يقبل بوجهه على البيت حتى يراه ولعل هذا كان في ذلك الوقت وفي زمن المصنف وقبل كثرة العمارات فالواقف على المروة لا يمكنه النظر للبيت ولعل هذا وجه قول المصنف وأقبل بوجهه على الصفا (وقد حصل السعي مرة واحدة فإذا عاد إلى الصفا حصلت مرتان) قال الرافعي : ويحسب الذهاب من الصفا إلى المروة مرة والعود منها إلى الصفا أخرى ليكون الابتداء بالصفا والختم بالمروة وذهب أبو بكر الصيرفي إلى أن الذهاب والعود يحسب مرة واحدة لينتهي إلى ما منه ابتدأ كما في الطواف وكما أن في مسح الرأس يذهب باليدين إلى القفا ويردهما ويكون ذلك مرة واحدة ويروى هذا عن عبد الرحمن ابن بنت الشافعي وابن الوكيل . . أهـ .

قلت : ومثل هذا القول روي عن أبي جعفر الطحاوي من أصحابنا وقاسه على الطواف فإنه من الحجر إلى الحجر وفي الذخيرة لا خلاف بين الأصحاب أن الذهاب من الصفا إلى المروة شوط وأما الرجوع منها إليه هل هو شوط آخر ؟ أشار محمد في الأصل إلى أنه شوط آخر وكان الطحاوي لا يعتبره شوطا آخر والأصح أنه شوط آخر . . أهـ .

قلت : هو ظاهر المذهب ولفظ الطحاوي يحتمل معنيين :

الأول : أنه لا يعتبره شوطا آخر بل شرطا لتحصيل الشوط الثاني ، والثاني : أنه لا يعتبره أصلا وهو ضعيف لمخالفته حديث جابر فإن فيه : فلما كان آخر طوافه على المروة ، وقياسه على الطواف قياس مع الفارق لأن السعي يتم بالمروة فيكون الرجوع تكرارا والطواف لا يتم إلا بالوصول إلى الحجر وأن تكون الأشواط أربعة عشر وقد اتفق رواة نسكه صلى الله عليه وسلم على أنه سعى سبعة أشواط وإليه أشار المصنف بقوله : (يفعل ذلك سبعا) ثم قال : (ويرمل في موضع الرمل في كل مرة ويسكن في موضع السكون كما سبق) وهو في حديث جابر الطويل عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عن الصفا إلى المروة وحتى إذا انتصبت قدماه رمل في بطن الوادي حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة وعن حبيبة بنت أبي تجزاة أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى حتى إن مئزره ليدور من شدة السعي .

وأخرج النسائي عن أم ولد شيبة بن عثمان أنها أبصرت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة ويقول : "لا يقطع الأبطح إلا الأشداء " وعن ابن الزبير أنه كان يوكئ بين الصفا والمروة وفسر الأزهري الإيكاء بالسعي الشديد (وفي كل نوبة يصعد الصفا والمروة) ويكبر ويهلل ويدعو كما سبق (فإذا فعل ذلك فقد فرغ من طواف القدوم والسعي وهما سنتان والطهارة) عن الحدث والخبث (مستحبة للسعي وليست بواجبة) وكذا ستر العورة وسائر الشروط للصلاة كما في الوقوف وغيره من أعمال الحج (بخلاف الطواف) فإنه صلاة كما ورد في الخبر وسبق ذكره وأخرج سعيد بن منصور عن عائشة وأم سلمة أنهما كانتا تقولان إذا طافت المرأة بالبيت وصلت ركعتين ثم حاضت فلتطف بالصفا والمروة ففيه تصريح بعدم اشتراط الطهارة في السعي (وإذا سعى فينبغي أن لا يعيد السعي بعد الوقوف ويكتفي بهذا ركنا فإنه ليس من شروط السعي أن يتأخر عن الوقوف وإنما ذلك شرط في طواف الركن بل شرط كل سعي أن يقع بعد طواف أي طواف كان) فلو قدمه على الطواف لم يجزه وقول المصنف : "بعد طواف أي طواف كان " ينظر فيه فإنه لا يتصور وقوع السعي بعد طواف الوداع لأن طواف الوداع هو الواقع بعد فراغ النسك فإذا بقي السعي عليه لم يكن المأتي به طواف وداع واعلم أن السعي بين الصفا والمروة ركن في الحج والعمرة وهو مذهب عائشة وابن عمر وجابر وبه قال مالك والشافعي وأحمد في أحد روايتيه فلا يحصل التحلل عند هؤلاء دونه ولا ينجبر بالدم وذهب جماعة إلى نفي الوجوب مستدلين بالآية : فلا جناح عليه أن يطوف بهما وقالوا : رفع الحرج يدل على الإباحة وهو قول ابن عباس وابن سيرين وعطاء ومجاهد ومن عند هو للأصل وهي الرواية الثانية عن أحمد أنه مستحب وليس بواجب وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري : هو واجب وليس بركن وعلى من تركه دم واستدلا بالآية المذكورة وأن مثله يستعمل للإباحة فينفي الركنية والإيجاب إلا أنهما عدلا عنه إلى الإيجاب ولأن الركنية لا تثبت إلا بدليل مقطوع به ولم يوجد .



[ ص: 364 ] (فصل)

ومن سنن السعي الموالاة في مرات السعي وبين الطواف والسعي بل لو تخلل بينهما فصل طويل لم يقدح قاله القفال ثم لا يجوز أن يتخلل بينهما ذكر بأن يطوف للقدوم ثم يقف ثم يسعى بل عليه إعادة السعي بعد طواف الإفاضة وذكر في التتمة أنه إذا طال الفصل بين مرات السعي أو بين الطواف والسعي ففي إجزاء السعي قولان وإن لم يتخلل بينهما ركن والله أعلم .



(تنبيه)

تقدم أن من واجبات السعي وقوعه بعد الطواف فلو سعى قبل أن يطوف لم يحتسب إذ لم ينقل من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده السعي إلا مرتبا على الطواف ترتيب السجود على الركوع ولا يشترط وقوعه بعد طواف الإفاضة لأن السعي ليس بقربة في نفسه كالوقوف بخلاف الطواف فإنه عبادة يتقرب بها وحدها وعن الشيخ أبي محمد أنه يكره إعادته فضلا عن عدم الاستحباب ومن واجبات السعي الترتيب وهو الابتداء بالصفا لقوله : صلى الله عليه وسلم : "ابدؤوا بما بدأ الله به " فإن بدأ بالمروة لم يحسب مروره منها إلى الصفا وقال النووي في زيادات الروضة : ويشترط في المرة الثانية أن يبدأ بالمروة فلو أنه لما وصل المروة ترك العود في طريقه وعدل إلى المسجد وابتدأ المرة الثانية من الصفا أيضا لم يصح على الصحيح وفيه وجه شاذ في البحر وغيره والله أعلم ، قال الرافعي : وعن أبي حنيفة أنه لا يجب الترتيب ويجوز الابتداء بالمروة . . أهـ .

قلت : الصحيح من مذهب أصحابنا أنه لو بدأ بالمروة لا يعتد بالأولى لمخالفة الأمر في قوله : صلى الله عليه وسلم : "ابدؤوا بما بدأ الله به " ومن واجبات السعي العدد فلا بد أن يسعى بين الجبلين سبعا فلو شك في العدد أخذ بالأقل وكذلك يفعل في الطواف ولو طاف وسعى وعنده أنه أتم العدد وأخبره عدل عن بقاء شيء فالأحب أن يرجع إلى قوله لأن الزيادة لا تبطلها ولو جرى على ما هو جازم به جاز .



(فصل)

ويجوز السعي ماشيا وراكبا وقولهم : المشي أفضل يدل على جواز الركوب مطلقا دون عذر لأنه لا يقال في حق غير القادر على المشي : المشي أفضل وإنما يقع التفضيل عند القدرة على الركوب نعم يكره الركوب عند القدرة على المشي ولا شيء عليه وقد روي عن أنس أنه كان يسعى بينهما راكبا على حماره وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال : أول من ركب بين الصفا والمروة معاوية أخرجه سعيد بن منصور ونقل أصحاب مالك أن من سعى راكبا من غير عذر أعاد إن لم يفت الوقت وإن فات فعليه دم وكذلك قال أبو حنيفة إن سعى راكبا من غير عذر وأمكنه أن يعيده أعاد وإن رجع إلى بلده أجزأه وعليه دم ويقولون : إنما سعي رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعذر وهو كثرة الناس وغشيانهم له وأخرج رزين عن عروة أنه كان إذا رأى من يطوف على دابة قال : خاب هؤلاء أو خسروا وأخرج سعيد بن منصور عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول : من كان لا يستطيع المشي بين الصفا والمروة فليركب دابة وعليه دم قال المحب الطبري : وهذا مذهب ثالث .



(فصل)

وليس الاضطباع في السعي على المشهور من مذهب الشافعي وحكى المراوزة من أصحابه في استحبابه فيه : وجهين ومذهب أحمد أنه لا يضطبع وقد روى أحمد في المسند عن بعض بني يعلى بن أمية قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعا بين الصفا والمروة ببرد نجراني .




الخدمات العلمية