الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الرابع : ترك الرفث والفسوق والجدال كما نطق به القرآن .

والرفث اسم جامع لكل لغو وخنا وفحش من الكلام ، ويدخل فيه مغازلة النساء ومداعبتهن ، والتحدث بشأن الجماع ومقدماته فإن ذلك يهيج داعية الجماع المحظور والداعي إلى المحظور محظور .

والفسق اسم جامع لكل خروج عن طاعة الله عز وجل .

والجدال هو المبالغة في الخصومة ، والمماراة بما يورث الضغائن ، ويفرق في الحال الهمة ، ويناقض حسن الخلق وقد قال سفيان من رفث فسد حجه .

وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب الكلام مع إطعام الطعام من بر الحج والمماراة تناقض طيب الكلام فلا ينبغي أن يكون كثير الاعتراض على رفيقه وجماله وعلى غيره من أصحابه بل يلين جانبه ، ويخفض جناحه للسائرين إلى بيت الله عز وجل ويلزم حسن الخلق ، وليس حسن الخلق كف الأذى بل احتمال الأذى وقيل سمي السفر سفرا ; لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ولذلك قال عمر رضي الله عنه : لمن زعم أنه يعرف رجلا هل صحبته في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق ؟ قال : لا ، فقال : ما أراك تعرفه .

التالي السابق


(الرابع: ترك الرفث والفسوق والجدال كما نطق به القرآن) ، وهو قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج (والرفث) محركة في هذه الآية (اسم جامع لكل لغو وخنا وفحش في الكلام، ويدخل فيه مغازلة النساء وملاعبتهن، والتحدث بشأن الجماع) ، هكذا نقله صاحب القوت، زاد المصنف (ومقدماته فإن ذلك يهيج داعية الجماع المحظور والداعي إلى المحظور محظور) ، وهذا الذي ذكره المصنف تبعا لصاحب القوت هو معنى قول الأزهري في التهذيب حيث قال: كلمة جامعة لما يريد الرجل من المرأة اهـ .

وهناك أقوال أخر فقيل: لا رفث أي: لا جماع روي ذلك عن ابن عباس، وقيل: لا فحش في القول، وقال آخرون: الرفث يكون في الفرج بالجماع، وفي العين بالغمز للجماع، وفي اللسان المواعدة به، وروى البغوي في شرح السنة عن ابن عباس أنه أنشد شعرا فيه ذكر الجماع فقيل له: أتقول الرفث وأنت محرم فقال: إنما الرفث ما وجه به للنساء، فكأنه يرى الرفث المنهي عنه في الآية ما خوطب به المرأة دون ما يتكلم به من غير أن تسمع المرأة اهـ

والشعر المذكور هو قوله:


وهن يمشين بنا هميسا إن يصدق الطير ننك لميسا

(والفسوق) جمع فسق هو (اسم جامع لكل خروج عن طاعة الله تعالى) ، ولكل تعدي حد من حدود [ ص: 435 ] الله تعالى كذا في القوت، وقيل: المراد بالفسوق من المعاصي قاله ابن عباس، وقيل: السباب، وقيل: ما أصاب من محارم الله تعالى ومن الصيد، وقيل: قول الزور وأصل الفسق خروج الشيء من الشيء على وجه الفساد، يقال: فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرتها، وكذلك كل شيء خرج عن قشرة فقد فسق قاله السرقسطي قال ابن الأعرابي: ولم يسمع فاسق في كلام الجاهلية مع أنه عربي فصيح، ونطق به الكتاب العزيز، (والجدال) بالكسر (هو المبالغة في الخصومة، والمماراة بما يورث الضغائن، ويفرق في الحال الهمة، ويناقض حسن الخلق) ، فهذه ثلاثة أسماء جامعة مختصرة لهذه المعاني المثبتة أمر الله تعالى بتنزيه شعائره ومناسكه منها; لأنها مشتملة على الآثام، وهن أصول الخطايا والآثام .

(وقد قال سيفان) أبو سعيد الثوري (من رفث فسد حجه) نقله صاحب القوت، عن بشر الحافي عنه، (وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب الكلام مع إطعام الطعام من بر الحج) ، كما تقدم في الحديث، بل هو من مطلق البر، قال الشاعر:


بني إن البر شيء هين * المنطق اللين والطعيم

(والمماراة تناقض طيب الكلام) ، وتخالفه (فلا ينبغي أن يكون) الحاج (كثير الاعتراض على رفيقه) ولا يخالفه فيما يأمره به ويفعله (و) لا يعترض على (جماله) ومكاريه، وما نقله ابن حجر المكي وغيره من أرباب المناسك من تمام الحج: ضرب الجمال فليس له أصل يستند إليه، نعم إذا كان من باب التأديب الشرعي، فلا بأس به (ولا على غيرهما) من جميع الناس (بل يلين جانبه، ويخفض جناحه للسائرين إلى بيت الله الحرام) ، ويراعي فيهم وجه الله من النصيحة والإرشاد (ويلزم) معهم جميعا (حسن الخلق، وليس حسن الخلق كف الأذى) عنهم فقط، كما هو المتبادر (بل احتمال الأذى) من جملة حسن الخلق، فينبغي أن يكف أذاه عنهم أولا، ثم يحتمل أذاهم، وبهذه المعاني يفضل الحج، (وقيل) إنما (سمي السفر سفرا; لأنه يسفر) أي: يكشف (عن أخلاق الرجال) وبعضهم يقول: يسفر عن صفات النفس وجوهرها إذ ليس كل من حسنت صحبته في الحضر حسنت في السفر، وكل من صلح أن يصحب في السفر صلح في الحضر، (ولذلك قال عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه: لمن زعم أنه يعرف رجلا) .

ولفظ القوت: لما سأل عن الرجل من ذكر أنه يعرفه، فقال: (هل صحبته في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق ؟ قال: لا، فقال: ما أراك تعرفه.) ورواه الإسماعيلي في مناقب عمر بلفظ: روي أن رجلا أثنى عنده على رجل، فقال: أصحبته في السفر ؟ قال: لا، قال: أعاملته ؟ قال: لا، قال: فما تعرفه والله اهـ .




الخدمات العلمية