الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما قطع العلائق فمعناه رد المظالم والتوبة الخالصة لله تعالى عن جملة المعاصي فكل مظلمة علاقة وكل علاقة ، مثل غريم حاضر متعلق بتلابيبه ينادي عليه ، ويقول : إلى أين تتوجه ؟ أتقصد بيت ملك الملوك ؟ وأنت مضيع أمره في منزلك هذا ، ومستهين به ومهمل له أولا تستحي أن تقدم عليه قدوم العبد العاصي فيردك ولا يقبلك فإن كنت راغبا في قبول زيارتك فنفذ أوامره ورد المظالم وتب إليه أولا من جميع المعاصي واقطع علاقة قلبك عن الالتفات إلى ما وراءك لتكون متوجها إليه بوجه قلبك كما أنك متوجه إلى بيته بوجه ظاهرك .

فإن لم تفعل ذلك لم يكن لك من سفرك أولا إلا النصب والشقاء وآخرا إلا الطرد والرد وليقطع العلائق عن وطنه قطع من انقطع عنه وقدر أن لا يعود إليه ، وليكتب وصيته لأولاده وأهله فإن المسافر وماله لعلى خطر إلا من وقى الله سبحانه .

وليتذكر عند قطعه العلائق لسفر الحج قطع العلائق لسفر الآخرة فإن ذلك بين يديه على القرب وما يقدمه من هذا السفر طمع في تيسير ذلك السفر فهو المستقر وإليه المصير .

فلا ينبغي أن يغفل عن ذلك السفر عند الاستعداد بهذا السفر .

التالي السابق


(وأما قطع العلائق فمعناه رد المظالم) إلى أهلها، والتنصل عنها، (والتوبة) المحضة (الخالصة لله تعالى عن جملة المعاصي) ، والمخالفات، (فإن كل مظلمة علاقة) لازمة لا تنفك، (وكل علاقة، مثل غريم حاضر متعلق بتلابيبه) ، جمع لبب محركة على غير قياس، وهو من سيور السرج ما يقع على اللبة أي: المنحر، ولببه تلبيبا أخذه بمجامعه، (ينادي عليه، ويقول له: إلى أين تتوجه ؟ أتقصد بيت ملك الملوك ؟ وأنت مضيع أمره في نزلك هذا، ومستهين به ومهمل له) بارتكاب منهياته، ومحظوراته، ومخالفة مأموراته، (أولا تستحي من أن تقدم عليه قدوم العاصي) الشارد، (فيردك ولا يقبلك فإن كنت راغبا في قبول زيارتك إياه فنفذ أوامره) ، وانته عن مخالفاته، (ورد المظالم) لأهلها، (وتب إليه أولا من جميع المعاصي) حسب الطاقة، (واقطع علاقة قلبك عن الالتفات إلى ما وراءك) من الأهل والمال والولد; (لتكون متوجها إليه بوجه قلبك كما أنك متوجه إلى بيته بوجه ظاهرك) ، فيجتمع قلب الباطن وقلب الظاهر، ويكون كل منهما بشرط الإخلاص والتجرد، (فإن لم تفعل ذلك لم يكن لك من سفرك أولا) ومكابدتك للأهوال في البوادي (إلا النصب) ، أي: التعب (والشقاء آخرا إلا الطرد) عن الحضرات، (والرد) عن وجه المقصود .

(وليقطع العلائق عن) تعلقات (وطنه قطع من انقطع عنه) لم يبق له به ما يتأسف عليه (وقدر) في نفسه (أنه لا يعود إليه، وليكتب وصيته) الشرعية (لأهله وأولاده) [ ص: 446 ] وذوي قرابته وغيرهم من وجوه الخير، ( فإن المسافر وماله لعلى قلت) محركة، أي: هلاك، يقال: قلت قلنا من حد تعب هلك، وتسمى المفازة مقلتة; لأنها محل الهلاك، وفي بعض النسخ: لعلى خطر (إلا ما وقى الله سبحانه) ، أي: حفظ .

فقد روى أبو الشيخ في الوصايا عن قيس بن قبيصة مرفوعا "من لم يوص لم يؤذن له في الكلام مع الموتى" الحديث، وروى ابن ماجه عن جابر مرفوعا: "من مات على وصية مات على سبيل وسنة، ومات على تقى وشهادة، ومات مغفورا له"، (وليتذكر عند قطع العلائق لسفر الحج قطع العلائق لسفر الآخرة فإن ذلك بين يديه على القرب) ، ولا بد منه وإن طال الأمد، (وما يقدمه من هذا السفر) فهو (طمع في تيسير ذلك السفر) وحصوله (وهو المستقر) الثابت، (وإليه المصير) ، أي: المرجع آخرا (فلا ينبغي أن يغفل عن ذلك السفر عند الاستعداد لهذا النفر) ، ويكون نصب عينيه مراعيا أحواله وما يترتب عليه .




الخدمات العلمية