وأما الأخبار فمنها ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : في خطبة خطبها أيها الناس، إنكم تقرءون هذه الآية وتؤولونها على خلاف تأويلها يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : وروي عن ما من قوم عملوا بالمعاصي وفيهم من يقدر أن ينكر عليهم فلم يفعل ، إلا يوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده أبي ثعلبة الخشني لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ، فقال : يا أبا ثعلبة ، مر بالمعروف وانه عن المنكر، فإذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ، ودع عنك العوام؛ إن من ورائكم فتنا كقطع الليل المظلم ، للمتمسك فيها بمثل الذي أنتم عليه أجر خمسين منكم . قيل : بل منهم يا رسول الله . قال لا : بل منكم؛ لأنكم تجدون على الخير أعوانا، ولا يجدون عليه أعوانا . أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى :
.
وسئل رضي الله عنه عن تفسير هذه الآية ، فقال : إن هذا ليس زمانها ، إنها اليوم مقبولة ، ولكن قد أوشك أن يأتي زمانها ، تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا ، وتقولون فلا يقبل منكم ، فحينئذ عليكم أنفسكم ، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم . ابن مسعود
.
. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لتأمرن بالمعروف وتنهن ، عن المنكر ، أو ليسلطن الله عليكم شراركم ، ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم
معناه : تسقط مهابتهم من أعين الأشرار ، فلا يخافونهم .
. وقال صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس ، إن الله يقول : لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم
وقال صلى الله عليه وسلم : ما أعمال البر عند الجهاد في سبيل الله إلا كنفثة في بحر لجي ، وما جميع أعمال البر والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجي .
. وقال صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى ليسأل العبد : ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره ؟ فإذا لقن الله العبد حجته قال : رب ، وثقت بك وفرقت من الناس
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إياكم والجلوس على الطرقات . قالوا : ما لنا بد ؛ إنما هي مجالسنا نتحدث فيها . قال : فإذا أبيتم إلا ذلك فأعطوا الطريق حقها. قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
. وقال صلى الله عليه وسلم: كلام ابن آدم كله عليه، لا له، إلا أمرا بمعروف ، أو نهيا عن منكر ، أو ذكرا لله تعالى
.
. وقال صلى الله عليه وسلم : إن الله لا يعذب الخاصة بذنوب العامة حتى يرى المنكر بين أظهرهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه
وروى أبو أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : كيف أنتم إذا طغى نساؤكم ، وفسق شبانكم ، وتركتم جهادكم؟ قالوا وإن : ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال : نعم ، والذي نفسي بيده ، وأشد منه سيكون . قالوا : وما أشد منه يا رسول الله ؟ : كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف ، ولم تنهوا عن منكر ؟ قالوا : وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم ، والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون . قالوا : وما أشد منه ؟ : كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا ؟ قالوا : وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال نعم : والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون . قالوا : وما أشد منه ؟ قال : كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ قالوا : وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم ، والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون ، يقول الله تعالى : بي حلفت ، لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيها حيران .
وعن عكرمة عن رضي الله عنهما قال : ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقفن عند رجل يقتل مظلوما؛ فإن اللعنة تنزل على من حضره ولم يدفع عنه ، ولا تقفن عند رجل يضرب مظلوما ؛ فإن اللعنة تنزل على من حضره ولم يدفع عنه .
قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي لامرئ شهد مقاما فيه حق إلا تكلم به؛ فإنه لن يقدم أجله ولن يحرمه رزقا هو له .
وهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز ولا دخول دور الظلمة والفسقة فإنه قال : اللعنة تنزل على من حضر ، ولا يجوز له مشاهدة المنكر من غير حاجة ؛ اعتذارا بأنه عاجز ولهذا اختار جماعة من السلف العزلة لمشاهدتهم المنكرات في الأسواق والأعياد والمجامع وعجزهم عن التغيير ، وهذا يقتضي لزوم الهجر للخلق ولهذا قال حضور المواضع التي يشاهد المنكر فيها ولا يقدر على تغييره رحمه الله ما ساح السواح وخلوا دورهم وأولادهم إلا بمثل ما نزل بنا حين رأوا الشر قد ظهر ، والخير قد اندرس ، ورأوا أنه لا يقبل ممن تكلم ورأوا الفتن ولم يأمنوا أن تعتريهم وأن ينزل العذاب بأولئك القوم فلا يسلمون منه فرأوا أن مجاورة السباع وأكل البقول خير من مجاورة هؤلاء في نعيمهم ، ثم قرأ عمر بن عبد العزيز ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ، قال : ففر قوم ، فلولا ما جعل الله جل ثناؤه في النبوة من السر ; لقلنا : ما هم بأفضل من هؤلاء فيما بلغنا أن الملائكة عليهم السلام لتلقاهم وتصافحهم ، والسحاب والسباع تمر بأحدهم فيناديها ، فتجيبه ويسألها أين أمرت ؟ فتخبره ، وليس بنبي .
وقال رضي الله عنه أبو هريرة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حضر معصية ، فكرهها ، فكأنه غاب عنها ، ومن غاب عنها فأحبها ، فكأنه حضرها
ومعنى الحديث أن يحضر لحاجة أو يتفق جريان ذلك يديه فأما الحضور قصدا فممنوع ، بدليل الحديث الأول .
وقال رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن مسعود ما بعث الله عز وجل نبيا إلا وله حواري فيمكث النبي بين أظهرهم ما شاء الله تعالى يعمل فيهم بكتاب الله وبأمره ، حتى إذا قبض الله نبيه مكث الحواريون يعملون بكتاب الله وبأمره وبسنة نبيهم ، فإذا انقرضوا كان من بعدهم قوم يركبون رءوس المنابر يقولون ، ما يعرفون ، ويعملون ما ينكرون ، فإذا رأيتم ذلك فحق على كل مؤمن جهادهم بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وليس وراء ذلك إسلام .
وقال رضي الله عنه : كان أهل قرية يعملون بالمعاصي ، وكان فيهم أربعة نفر ينكرون ما يعملون ، فقام أحدهم فقال : إنكم تعملون كذا وكذا فجعل ينهاهم ويخبرهم بقبيح ما يصنعون ، فجعلوا يردون عليه ولا يرعوون عن أعمالهم فسبهم فسبوه ، وقاتلهم فغلبوه فاعتزل ثم قال : اللهم إني قد نهيتهم فلم يطيعوني ، وسببتهم فسبوني ، وقاتلتهم فغلبوني . ثم ذهب ، ثم قام الآخر فنهاهم فلم يطيعوه ، فسبهم فسبوه فاعتزل ثم قال : اللهم إني قد نهيتهم فلم يطيعوني ، وسببتهم فسبوني ، ولو قاتلتهم لـغلبوني ثم ذهب ثم قام الثالث فنهاهم فلم يطيعوه ، فاعتزل ثم قال : اللهم إني قد نهيتهم فلم يطيعوني ، ولو سببتهم لسبوني ، ولو قاتلتهم لغلبوني . ثم ذهب، ثم قام الرابع فقال : اللهم إني لو نهيتهم لعصوني ، ولو سببتهم لسبوني ، ولو قاتلتهم لغلبوني ثم ذهب . قال ابن مسعود رضي الله عنه : كان الرابع أدناهم منزلة ، وقليل فيكم مثله . ابن مسعود
وقال رضي الله عنهما ابن عباس . قيل : يا رسول الله ، أتهلك القرية وفيها الصالحون ؟ قال : نعم . قيل : بم يا رسول الله ؟ قال : بتهاونهم وسكوتهم على معاصي الله تعالى
وقال جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوحى الله تبارك وتعالى إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا على أهلها . فقال يا رب ، إن فيهم عبدك فلانا لم يعصك طرفة عين . قال : اقلبها عليه وعليهم ؛ فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط .
وقالت رضي الله عنها : عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عذب أهل قرية فيها ثمانية عشر ألفا عملهم عمل الأنبياء ، قالوا : يا رسول الله ، كيف ؟ قال : لم يكونوا يغضبون لله ، ولا يأمرون بالمعروف ، ولا ينهون عن المنكر .
وعن عروة عن أبيه قال : قال موسى صلى الله عليه وسلم : يا رب ، أي عبادك أحب إليك ؟ قال : الذي يتسرع إلى هواي : كما يتسرع النسر إلى هواه ، والذي يكلف بعبادي الصالحين كما يكلف الصبي بالثدي والذي يغضب إذا أتيت محارمي كما يغضب النمر لنفسه ؛ فإن النمر إذا غضب لنفسه لم يبال قل الناس أم كثروا .
وهذا يدل على مع شدة الخوف . فضيلة الحسبة
وقال الغفاري أبو ذر قال رضي الله عنه : يا رسول الله ، هل من جهاد غير قتال المشركين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم يا أبو بكر الصديق إن لله تعالى مجاهدين في الأرض أفضل من الشهداء أحياء مرزوقين ، يمشون على الأرض ، يباهي الله بهم ملائكة السماء وتزين لهم الجنة كما تزينت أبا بكر ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أم سلمة رضي الله عنه : يا رسول الله ، ومن هم ؟ قال : الآمرون بالمعروف ، والناهون عن المنكر ، والمحبون في الله ، والمبغضون في الله، ثم قال : والذي نفسي بيده إن العبد منهم ليكون في الغرفة فوق الغرفات فوق غرف الشهداء ، للغرفة منها ثلاثمائة ألف باب، منها الياقوت والزمرد الأخضر على كل باب نور ، وإن الرجل منهم ليزوج بثلاثمائة ألف حوراء ، قاصرات الطرف عين ، كلما التفت إلى واحدة منهن ، فنظر إليها ، تقول له : أتذكر يوم كذا وكذا أمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ؟ كلما نظر إلى واحدة منهن ذكرت له مقاما أمر فيه بمعروف ونهى فيه عن منكر أبو بكر .
وقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قلت : يا رسول الله ، أي الشهداء أكرم على الله عز وجل ؟ قال : رجل قام إلى وال جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر ، فقتله ؛ فإن لم يقتله فإن القلم لا يجرى عليه بعد ذلك وإن عاش ما عاش .
وقال رحمه الله الحسن البصري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفضل شهداء أمتي رجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف ، ونهاه عن المنكر، فقتله على ذلك فذلك الشهيد منزلته في الجنة بين حمزة وجعفر .
وقال رضي الله عنه : عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بئس القوم قوم لا يأمرون بالقسط ، وبئس القوم قوم لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر .