الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويوم الخندق ومرة أطعم ثمانين من أربعة أمداد شعير وعناق وهو من أولاد المعز فوق العتود .

التالي السابق


(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أن أطعم (يوم الخندق مرة ثمانين) رجلا هكذا في سائر النسخ ، والصواب ثمانمائة ، كما يدل له سياق القصة الآتي ذكرها . (من أربعة أمداد شعير) ، وهي صاع فإن المد بالضم رطل وثلث ، بالبغدادي ، عند أهل الحجاز ، فهو ربع صاع ؛ لأن الصاع خمسة أرطال وثلث ، كما تقدم ذلك في كتاب الزكاة ، (وعناق وهو) ، أي : العناق كسحاب الأنثى (من أولاد المعز) ، قبل استكمالها الحول ، وهي (فوق العتود) والعتود من أولاد المعز ما أتى عليه الحول .

قال العراقي : رواه الإسماعيلي في صحيحه ، ومن طريقه البيهقي في الدلائل من حديث جابر ، وفيه : "أنهم كانوا مائة أو ثلاثمائة " ، وهو عند البخاري دون ذكر العدد ، وفي رواية لأبي نعيم ، "وهم ألف " اهـ

[ ص: 168 ] قلت : قال البيهقي في الدلائل : أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب ، أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي أخبرنا أبو يعلى ، أخبرنا أبو خيثمة ، أخبرنا وكيع ، أخبرنا عبد الواحد بن أيمن .

ح قال الإسماعيلي : وأخبرني الحسن هو ابن سفيان ، أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة ، أخبرنا المحاربي ، هو عبد الرحمن بن محمد ، عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه ، قال : قلت لجابر بن عبد الله : حدثني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم - أرويه عنك ، فقال جابر : "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق نحفر فيه ، فلبثنا ثلاثة أيام لا نطعم شيئا ، ولا نقدر عليه ، فعرضت في الخندق كدية فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وبطنه معصوب بحجر ، فأخذ المعول والمسحاة ، ثم سمى ثلاثا ، فعادت كثيبا أهيل ، فلما رأيت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، ائذن لي ، فأذن لي فجئت امرأتي فقلت : ثكلتك أمك ، إني قد رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم - شيئا لا أصبر عليه ، فما عندك ؟ قالت : عندي صاع من شعير ، وعناق ، فطحنا الشعير وذبحنا العناق ، وأصلحناها ، وجعلناها في البرمة ، وعجنت الشعير ، ثم رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلبثت ساعة ، ثم استأذنته الثانية ، فأذن لي ، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فساررته ، فقلت : إن عندنا طعيما لنا ، فإن رأيت أن تقوم معي أنت ورجل معك ، فعلت ، فقال : وما هو وكم هو ؟ قلت : صاع من شعير وعناق ، قال : ارجع إلى أهلك ، فقل لها : لا تنزع البرمة من الأثافي ، ولا تخرج الخبز من التنور حتى آتي ، ثم قال للناس : قوموا إلى بيت جابر ، قال : فاستحييت حياء لا يعلمه إلا الله ، فقلت لامرأتي : ثكلتك أمك ، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أجمعون ، فقالت : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - سألك عن الطعام ؟ فقال : نعم ، قالت : الله ورسوله أعلم ، قد أخبرته بما كان عندك ، فذهب عني بعض ما كنت أجد ، قلت : لقد صدقت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم - فدخل ثم قال لأصحابه : لا تضاغطوا ثم تبرك على التنور ، وعلى البرمة ، فجعلنا نأخذ من التنور الخبز ، ونأخذ اللحم من البرمة ، فنثرد ونغرف ، وننقل إليهم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ليجلس على الصحفة ثلاثة ، وقيل : سبعة ، أو ثمانية ، فلما أكلوا كشفنا عن البرمة والتنور ، وجعلنا نأخذ من التنور الخبز واللحم من البرمة ، وإذا هما قد عادا إلى أملأ مما كانا فنثرد ونغرف ونقرب إليهم فلم نزل نفعل ذلك كلما فتحنا التنور وكشفنا عن البرمة وجدناهما أملأ ما كانا حتى شبع المسلمون منها ، وبقيت طائفة من الطعام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - إن الناس قد أصابتهم مخمصة فكلوا وأطعموا فلم نزل يومنا نأكل ونطعم " .

قال : وأخبرني أنهم كانوا ثمانمائة أو ثلاثمائة ، ورواه البخاري في الصحيح عن خلاد بن يحيى ، عن عبد الواحد بن أيمن إلا أنه لم يذكر العدد في آخره ، ويروى أنهم كانوا ثلاثمائة من غير شك ، قال البيهقي في الدلائل : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ، قالا أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أخبرنا أحمد بن عبد الجبار ، أخبرنا يونس بن بكير ، عن هشام بن سعد ، عن أبي الزبير ، قال : أخبرني جابر بن عبد الله ، قال : "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثلاثمائة رجل نحفر الخندق ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - أخذ حجرا فجعله بين بطنه وإزاره يقيم بطنه من الجوع ، فلما رأيت ذلك قلت : "يا رسول الله ، ائذن لي ، فإن لي حاجة في أهلي ، فأتيت المرأة ، فقلت : قد رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم - أمرا غاظني ، فهل عندك من شيء ؟ قالت : هذه العناق فاطبخها ، وهذا صاع من شعير فاطحنه ، فطحنته ، وذبحت العناق ، وقلت : اطبخي حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأستتبعه فانطلقت إليه ، فقلت : يا رسول الله ، إني قد ذبحت عناقا وطحنت صاعا من شعير ، فانطلق معي فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في القوم ألا أجيبوا جابر بن عبد الله ، قال : فرجعت على المرأة ، فقلت : قد افتضحت جاءك رسول الله صلى الله عليه وسلم - ومن معه فقالت : بلغته وبينت له ؟ فقلت نعم ، فقالت : ارجع إليه وبين له ، فأتيته فقلت : يا رسول الله ، إنما هي عناق وصاع من شعير ، قال : فارجع ولا تحركن شيئا من التنور ، ولا من القدر ، حتى آتيها واستعر صحافا ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم - فدعا الله عز وجل على القدر والتنور ، ثم قال : أخرجي واثردي ، ثم أقعدهم عشرة عشرة ، فأدخلهم فأكلوا وهم ثلاثمائة ، وأكلنا [ ص: 169 ] وأهدينا لجيراننا ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - ذهب ذلك " ، وأما ما رواه أبو نعيم في الدلائل ، وفيه : "أنهم كانوا ألفا " فقد تقدم من رواية حنظلة بن أبي سفيان ، عن جابر ، ورواه البخاري ، ومسلم والبيهقي ، ودل سياقهم على تعدد القصة ، ولذلك غاير بينهما المصنف فتأمل .




الخدمات العلمية