ومن الآداب تقليل العلائق حتى لا يكثر خوفه وقطع الطمع عن الخلائق حتى تزول عنه المداهنة فقد روي عن بعض المشايخ أنه كان له سنور وكان يأخذ من قصاب في جواره كل يوم شيئا من الغدد لسنوره فرأى على القصاب منكرا ، فدخل الدار أولا وأخرج السنور ثم جاء واحتسب على القصاب فقال له القصاب : لا أعطينك بعد هذا شيئا لسنورك ، فقال : ما احتسبت عليك إلا بعد إخراج السنور ، وقطع الطمع منك ، وهو كما قال: فمن لم يقطع الطمع من الخلق لم يقدر على الحسبة ومن طمع في أن تكون قلوب الناس عليه طيبة وألسنتهم بالثناء عليه مطلقة لم تتيسر له الحسبة .
قال كعب الأحبار لأبي مسلم الخولاني كيف منزلتك بين قومك ؟ قال : حسنة ، قال : إن التوراة تقول : إن الرجل إذا أمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر ساءت منزلته عند قومه ، فقال أبو مسلم : صدقت التوراة وكذب أبو مسلم .
ويدل على وجوب الرفق ما استدل به المأمون إذا وعظه واعظ وعنف له في القول فقال: يا رجل ارفق فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني وأمره بالرفق ، فقال تعالى : فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى .
.
فليكن اقتداء المحتسب في الرفق بالأنبياء صلوات الله عليهم فقد روى أبو أمامة أن غلاما شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا نبي الله تأذن لي في الزنا ، فصاح الناس به فقال النبي صلى الله عليه وسلم قربوه، ادن : فدنا حتى جلس بين يديه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أتحبه لأمك ؟ فقال : لا ، جعلني الله فداك ، قال : كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم ، أتحبه لابنتك ؟ قال : لا ، جعلني الله فداك ، قال : كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم ، أتحبه لأختك ؟ وزاد ابن عوف حتى ذكر العمة والخالة وهو يقول في كل واحد : لا ، جعلني الله فداك ، وهو صلى الله عليه وسلم يقول : كذلك الناس لا يحبونه ، وقالا جميعا في حديثهما أعني ابن عوف والراوي الآخر فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره ، وقال : اللهم طهر قلبه واغفر ذنبه وحصن فرجه ، فلم يكن شيء أبغض إليه منه يعني من الزنا .
وقيل للفضيل بن عياض رحمه الله : إن سفيان بن عيينة قبل جوائز السلطان فقال الفضيل ما أخذ منهم إلا دون حقه ثم خلا به وعذله ووبخه فقال سفيان : يا أبا علي إن لم نكن من الصالحين فإنا لنحب الصالحين .


