منكرات الضيافة.
فمنها فرش الحرير للرجال فهو حرام وكذلك تبخير البخور في مجمرة فضة أو ذهب أو الشراب أو استعمال ماء الورد في أواني الفضة، أو ما رؤوسها من فضة ومنها إسدال الستور وعليها الصور.
ومنها سماع الأوتار أو سماع القينات .
ومنها اجتماع النساء على السطوح للنظر إلى الرجال مهما كان في الرجال شباب يخاف الفتنة منهم فكل ذلك محظور منكر يجب تغييره .
ومن عجز عن تغييره لزمه الخروج ومن لم يجز له الجلوس فلا رخصة له في الجلوس في مشاهدة المنكرات .
وأما الصور التي على النمارق والزرابي المفروشة فليس منكرا وكذلك على الأطباق والقصاع لا الأواني المتخذة على شكل الصور فقد تكون رؤوس بعض المجامر على شكل طير فذلك حرام يجب كسر مقدار الصورة منه .
وفي المكحلة الصغيرة من الفضة خلاف وقد خرج أحمد بن حنبل عن الضيافة بسببها .
ومهما كان الطعام حراما أو كان الموضع مغصوبا، أو كانت الثياب المفروشة حراما فهو من أشد المنكرات، فإن كان من فيها من يتعاطى شرب الخمر وحده فلا يجوز الحضور إذ لا يحل حضور مجالس الشرب وإن كان مع ترك الشرب ولا يجوز مجالسة الفاسق في حالة مباشرته للفسق وإنما النظر في مجالسته بعد ذلك وأنه هل يجب بغضه في الله ومقاطعته كما ذكرناه في باب الحب والبغض في الله، وكذلك إن كان فيهم من يلبس الحرير أو خاتم الذهب، فهو فاسق لا يجوز الجلوس معه من غير ضرورة فإن كان الثوب على صبي غير بالغ فهذا في محل النظر .
والصحيح أن ذلك منكر ويجب نزعه عنه إن كان مميزا لعموم قوله عليه السلام : هذان حرام على ذكور أمتي وكما يجب منع الصبي من شرب الخمر لا لكونه مكلفا لكن لأنه يأنس به فإذا بلغ عسر عليه الصبر عنه فكذلك شهوة التزين بالحرير تغلب عليه إذا اعتاده فيكون ذلك بذرا للفساد يبذر في صدره فتنبت منه شجرة من الشهوة راسخة يعسر قلعها بعد البلوغ .
أما الصبي الذي لا يميز فيضعف ، معنى التحريم في حقه ولا يخلو عن احتمال، والعلم عند الله فيه والمجنون في معنى الصبي الذي لا يميز نعم يحل التزين بالذهب والحرير للنساء من غير إسراف .
ولا أرى رخصة في تثقيب أذن الصبية لأجل تعليق حلق الذهب فيها فإن هذا جرح مؤلم ومثله موجب للقصاص فلا يجوز إلا لحاجة مهمة كالفصد والحجامة والختان والتزين بالحلق غير مهم بل في التقريط بتعليقه على الأذن وفي المخانق والأسورة كفاية عنه .
فهذا وإن كان معتادا فهو حرام والمنع منه واجب والاستئجار عليه غير صحيح والأجرة المأخوذة عليه حرام إلا أن يثبت من جهة النقل فيه رخصة ولم يبلغنا إلى الآن فيه رخصة .
ومنها أن يكون في الضيافة مبتدع يتكلم في بدعته فيجوز الحضور لمن يقدر على الرد عليه على عزم الرد فإن كان لا يقدر عليه لم يجز فإن كان المبتدع لا يتكلم ببدعته فيجوز الحضور مع إظهار الكراهة عليه والإعراض عنه كما ذكرناه في باب البغض في الله وإن كان فيها مضحك بالحكايات وأنواع النوادر فإن كان يضحك بالفحش والكذب لم يجز الحضور ، وعند الحضور يجب الإنكار عليه وإن كان ذلك بمزح لا كذب فيه ولا فحش فهو مباح أعني ما يقل منه فأما اتخاذه صنعة وعادة فليس بمباح .
وكل كذب لا يخفى أنه كذب ولا يقصد به التلبيس فليس من جملة المنكرات كقول الإنسان مثلا طلبتك اليوم مائة مرة وأعدت عليك الكلام ألف مرة ، وما يجري مجراه مما يعلم أنه ليس يقصد به التحقيق فذلك لا يقدح في العدالة ولا ترد الشهادة به .
وسيأتي حد المزاح المباح والكذب المباح في كتاب آفات اللسان من ربع المهلكات .


