وحكى أن حطيطا الزيات جيء به إلى الحجاج فلما دخل عليه قال : أنت حطيط ، قال : نعم سل عما بدا لك فإني عاهدت الله عند المقام على ثلاث خصال : إن سئلت لأصدقن ، وإن ابتليت لأصبرن ، وإن عوفيت لأشكرن .
قال : فما تقول في ، قال : أقول إنك من أعداء الله في الأرض تنتهك المحارم وتقتل بالظنة .
قال : فما تقول في أمير المؤمنين قال : أقول إنه أعظم جرما منك وإنما أنت خطيئة من خطاياه . عبد الملك بن مروان ،
قال فقال ضعوا عليه العذاب . الحجاج
قال فانتهى به العذاب إلى أن شقق له القصب ثم جعلوه على لحمه وشدوه بالحبال ثم جعلوا يمدون قصبة قصبة حتى انتحلوا لحمه، فما سمعوه يقول شيئا .
قال فقيل للحجاج : إنه في آخر رمق فقال : أخرجوه فارموا به في السوق .
قال جعفر : فأتيته أنا وصاحب له فقلنا له حطيط ألك حاجة ؟ قال : شربة ماء ، فأتوه بشربة ثم مات وكان ابن ثمان عشرة سنة رحمة الله عليه وروي أن عمر بن هبيرة دعا بفقهاء أهل البصرة وأهل الكوفة وأهل المدينة وأهل الشام وقرائها ، فجعل يسألهم وجعل يكلم عامرا فجعل لا يسأله عن شيء إلا وجد عنده منه علما ، ثم أقبل على الشعبي ، فسأله ثم قال : هما هذان ، هذا رجل أهل الحسن البصري الكوفة يعني وهذا رجل أهل الشعبي ، البصرة يعني الحسن فأمر ، الحاجب فأخرج الناس وخلا بالشعبي والحسن .
فأقبل على فقال : يا الشعبي أبا عمرو إني أمين أمير المؤمنين على العراق ، وعامله عليها ، ورجل مأمور على الطاعة ، ابتليت بالرعية ولزمني حقهم ، فأنا أحب حفظهم وتعهد ما يصلحهم مع النصيحة لهم ، وقد يبلغني عن العصابة من أهل الديار الأمر أجد عليهم فيه فأقبض طائفة من عطائهم فأضعه في بيت المال ومن نيتي أن أرده عليهم فيبلغ أمير المؤمنين أني قد قبضته على ذلك النحو ، فيكتب إلي أن لا ترده فلا أستطيع رد أمره ولا إنفاذ كتابه وإنما أنا رجل مأمور على الطاعة .
فهل علي في هذا تبعة ، وفي أشباهه من الأمور والنية فيها على ما ذكرت ، قال . الشعبي
فقلت : أصلح الله الأمير إنما السلطان والد يخطئ ويصيب قال: فسر بقولي وأعجب به ورأيت البشر في وجهه وقال : فلله الحمد ، ثم أقبل على الحسن فقال : ما تقول يا أبا سعيد ، قال : قد سمعت قول الأمير يقول إنه أمين أمير المؤمنين على العراق وعامله عليها ورجل مأمور على الطاعة ابتليت بالرعية ، ولزمني حقهم والنصيحة لهم ، والتعهد لما يصلحهم وحق الرعية لازم لك وحق عليك أن تحوطهم بالنصيحة ، وإني سمعت القرشي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عبد الرحمن بن سمرة ويقول : إني ربما قبضت من عطائهم إرادة صلاحهم واستصلاحهم ، وأن يرجعوا إلى طاعتهم ، فيبلغ أمير المؤمنين أني قبضتها على ذلك النحو ، فيكتب إلي أن لا ترده فلا أستطيع رد أمره ، ولا أستطيع إنفاذ كتابه ، وحق الله ألزم من حق أمير المؤمنين ، والله أحق أن يطاع ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فأعرض ، كتاب أمير المؤمنين على كتاب الله عز وجل ، فإن وجدته موافقا لكتاب الله فخذ به وإن وجدته مخالفا لكتاب الله فانبذه يا من استرعى رعية فلم يحطها بالنصيحة حرم الله عليه الجنة ابن هبيرة اتق الله ، فإنه يوشك أن يأتيك رسول من رب العالمين يزيلك عن سريرك ، ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ، فتدع سلطانك ودنياك خلف ظهرك ، وتقدم على ربك وتنزل على عملك ، يا ابن هبيرة إن الله ليمنعك من يزيد ولا يمنعك وإن يزيد لا يمنعك من الله ، وإن أمر الله فوق كل أمر ، وإنه لا طاعة في معصية الله ، وإني أحذرك بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين .
فقال ابن هبيرة اربع على ظلعك أيها الشيخ ، وأعرض عن ذكر أمير المؤمنين فإن أمير المؤمنين صاحب العلم وصاحب الحكم وصاحب الفضل ، وإنما ولاه الله تعالى ما ولاه من أمر هذه الأمة لعلمه به ، وما يعلمه من فضله ونيته .
فقال الحسن : يا ابن هبيرة الحساب من ورائك سوط بسوط ، وغضب بغضب ، والله بالمرصاد ، يا ابن هبيرة إنك إن تلق من ينصح لك في دينك ويحملك على أمر آخرتك خير من أن تلقى رجلا يغرك ويمنيك .
فقام ابن هبيرة ، وقد بسر وجهه ، وتغير لونه .
قال فقلت : يا الشعبي أبا سعيد أغضبت الأمير وأوغرت صدره وحرمتنا معروفه وصلته ، فقال : إليك عني يا عامر ، قال: فخرجت إلى الحسن التحف والطرف وكانت له المنزلة واستخف بنا وجفينا ، فكان أهلا لما أدي إليه وكنا أهلا أن يفعل ذلك بنا .
فما رأيت مثل الحسن فيمن رأيت من العلماء إلا مثل الفرس العربي بين المقارف وما شهدنا مشهدا إلا برز علينا .
وقال لله عز وجل ، وقلنا مقاربة لهم .
قال وأنا أعاهد الله أن لا أشهد سلطانا بعد هذا المجلس فأحابيه . عامر الشعبي :