وقد قال رضي الله عنه : لا يقيم أمر الناس إلا حصيف العقل، أريب العقد، لا يطلع منه على عورة ولا يخاف منه على حرة ولا تأخذه في الله لومة لائم . عمر بن الخطاب
وقال الأمراء أربعة : فأمير قوي ظلف نفسه وعماله ، فذلك كالمجاهد في سبيل الله ، يد الله باسطة عليه بالرحمة ، وأمير فيه ضعف ظلف نفسه وأرتع عماله لضعفه فهو على شفا هلاك إلا أن يرحمه الله وأمير ظلف عماله وأرتع نفسه فذلك الحطمة الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : شر الرعاة الحطمة فهو الهالك وحده، وأمير أرتع نفسه وعماله فهلكوا جميعا .
وقد بلغني يا أمير المؤمنين أن جبرائيل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أتيتك حين أمر الله بمنافخ النار فوضعت على النار تسعر ليوم القيامة فقال له : يا جبريل فقال : إن الله تعالى أمر بها فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف عام حتى اصفرت ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يضيء جمرها ولا يطفأ لهبها والذي بعثك بالحق لو أن ثوبا من ثياب أهل النار أظهر لأهل الأرض لماتوا جميعا ولو أن ذنوبا من شرابها صب في مياه الأرض جميعا لقتل من ذاقه ، ولو أن ذراعا من السلسلة التي ذكرها الله وضع على جبال الأرض جميعا لذابت وما استقلت ولو أن رجلا أدخل النار ثم أخرج منها لمات أهل الأرض من نتن ريحه وتشويه خلقه وعظمه ، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وبكى صف لي النار ، جبريل عليه السلام لبكائه، فقال: أتبكي يا محمد وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فقال : أفلا أكون عبدا شكورا ولم بكيت يا جبريل وأنت الروح الأمين ، أمين الله على وحيه ، قال : أخاف أن أبتلى بما ابتلي به هاروت وماروت ، فهو الذي منعني من اتكالي على منزلتي عند ربي فأكون قد أمنت مكره ، فلم يزالا يبكيان حتى نوديا من السماء : يا جبريل ويا محمد إن الله قد أمنكما أن تعصياه فيعذبكما ، محمد على سائر الأنبياء وفضل جبريل على سائر الملائكة وقد بلغني يا أمير المؤمنين أن كفضل رضي الله عنه قال : اللهم إن كنت تعلم أني أبالي إذا قعد الخصمان بين يدي على من مال الحق من قريب أو بعيد ، فلا تمهلني طرفة عين . عمر بن الخطاب
يا أمير المؤمنين إن أشد الشدة القيام لله بحقه، وإن أكرم الكرم عند الله التقوى وإنه ، من طلب العز بطاعة الله رفعه الله وأعزه ومن طلبه بمعصية الله أذله الله ووضعه .
فهذه نصيحتي إليك والسلام عليك .
ثم نهضت فقال لي إلى أين ؟ فقلت : إلى الولد والوطن بإذن أمير المؤمنين إن شاء الله فقال : قد أذنت لك وشكرت لك نصيحتك وقبلتها ، والله الموفق للخير والمعين عليه وبه أستعين وعليه أتوكل وهو حسبي ونعم الوكيل فلا تخلني من مطالعتك إياي بمثل هذا فإنك المقبول القول غير المتهم في النصيحة ، قلت : أفعل إن شاء الله .
قال محمد بن مصعب فأمر له بمال يستعين به على خروجه فلم يقبله ، وقال : أنا في غنى عنه ، وما كنت لأبيع نصيحتي بعرض من الدنيا .
وعرف المنصور مذهبه فلم يجد عليه في ذلك .