والثالث : هو المدرك المتعرف للأشياء كالجواسيس وهي قوة البصر والسمع والشم والذوق واللمس وهي مبثوثة في أعضاء معينة ، ويعبر عن هذا بالعلم والإدراك ومع كل واحد من هذه الجنود الباطنة جنود ظاهرة وهي الأعضاء المركبة من الشحم واللحم والعصب والدم والعظم التي أعدت آلات لهذه الجنود فإن قوة البطش إنما هي بالأصابع وقوة البصر إنما هي بالعين .
وكذا سائر القوى ، ولسنا نتكلم في الجنود الظاهرة أعني الأعضاء ؛ فإنها من عالم الملك والشهادة وإنما نتكلم الآن فيما أيدت به من جنود لم تروها .
وهذا الصنف الثالث وهو المدرك من هذه الجملة ينقسم إلى ما قد أسكن المنازل الظاهرة وهي الحواس الخمس أعني : السمع والبصر والشم والذوق واللمس وإلى ما أسكن منازل باطنة وهي تجاويف الدماغ وهي أيضا خمسة فإن الإنسان بعد رؤية الشيء يغمض عينه فيدرك صورته في نفسه وهو الخيال ثم تبقى تلك الصورة معه بسبب شيء يحفظه وهو الجند الحافظ ثم يتفكر فيما حفظه فيركب بعض ذلك إلى البعض ثم يتذكر ما قد نسيه ويعود إليه ثم يجمع جملة معاني المحسوسات في خياله بالحس المشترك بين المحسوسات ففي الباطن حس مشترك وتخيل وتفكر وتذكر وحفظ ولولا خلق الله قوة الحفظ والفكر والذكر والتخيل لكان الدماغ يخلو عنه ، كما تخلو اليد والرجل عنه ، فتلك القوى أيضا جنود باطنة وأماكنها أيضا باطنة فهذه هي وشرح ذلك بحيث يدركه فهم الضعفاء بضرب الأمثلة يطول . أقسام جنود القلب
ومقصود مثل هذا الكتاب أن ينتفع به الأقوياء والفحول من العلماء ولكنا نجتهد في تفهيم الضعفاء بضرب الأمثلة ليقرب ذلك من أفهامهم .