وأما قلوب المتقين الخالية من الهوى والصفات المذمومة فإنه يطرقها الشيطان لا للشهوات ، بل لخلوها، فإذا عاد إلى الذكر خنس الشيطان، ودليل ذلك قوله تعالى : بالغفلة عن الذكر فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وسائر الأخبار والآيات الواردة في الذكر .
قال ، التقى شيطان المؤمن وشيطان الكافر ، فإذا شيطان الكافر دهين سمين كلس وشيطان المؤمن مهزول أشعث أغبر عار فقال شيطان الكافر لشيطان المؤمن ما لك : مهزول ؟ : ؟ قال : أنا مع رجل إذا أكل سمى الله فأظل جائعا ، وإذا شرب سمى الله فأظل عطشانا ، وإذا لبس سمى الله فأظل عريانا ، وإذا ادهن سمى الله فأظل شعثا فقال لكني مع رجل لا يفعل شيئا من ذلك ، فأنا أشاركه في طعامه وشرابه ولباسه وكان أبو هريرة محمد بن واسع يقول كل يوم بعد صلاة الصبح اللهم إنك سلطت علينا عدوا بصيرا بعيوبنا يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم اللهم فآيسه منا كما آيسته من رحمتك ، وقنطه منا كما قنطته من عفوك ، وباعد بيننا وبينه كما باعدت بينه وبين رحمتك ، إنك على كل شيء قدير . قال فتمثل له إبليس يوما في طريق المسجد فقال له : يا ابن واسع هل تعرفني قال ؟ : ومن أنت ? قال : أنا إبليس فقال : وما تريد ? قال : أريد أن لا تعلم أحدا هذه الاستعاذة ولا أتعرض لك ، قال : والله لا أمنعها ممن أراد ، فاصنع ما شئت وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كان شيطان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بيده شعلة من نار فيقوم بين يديه وهو يصلي فيقرأ ويتعوذ فلا يذهب ، فأتاه جبرائيل عليه السلام فقال له : قل أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، ومن فتن الليل والنهار ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن ، فقال ذلك فطفئت شعلته وخر على وجهه .
وقال الحسن نبئت أن جبرائيل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن عفريتا من الجن يكيدك ، فإذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي .
وقال صلى الله عليه وسلم - : أتاني الشيطان فنازعني ثم نازعني فأخذت بحلقه ، فوالذي بعثني بالحق ما أرسلته حتى وجدت برد ماء لسانه على يدي ، ولولا دعوة أخي سليمان عليه السلام لأصبح طريحا في المسجد وقال صلى الله عليه وسلم - : ما عمر فجا إلا سلك الشيطان فجا غير الذي سلكه عمر سلك وهذا لأن القلوب كانت مطهرة عن مرعى الشيطان وقوته وهي الشهوات ، فمهما طمعت في أن يندفع الشيطان عنك بمجرد الذكر كما اندفع عن عمر رضي الله عنه ، كان محالا وكنت كمن يطمع أن يشرب دواء قبل الاحتماء والمعدة مشغولة بغليظ الأطعمة ويطمع أن ينفعه كما نفع الذي شربه بعد الاحتماء وتخلية المعدة والذكر الدواء ، والتقوى احتماء ، وهي تخلي القلب عن الشهوات فإذا ، نزل الذكر قلبا فارغا عن غير الذكر اندفع الشيطان كما تندفع العلة بنزول الدواء في المعدة الخالية عن الأطعمة ، قال الله تعالى : إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب وقال تعالى كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير ومن ساعد الشيطان بعمله فهو مواليه وإن ذكر الله بلسانه وإن كنت تقول : الحديث قد ورد مطلقا بأن الذكر يطرد الشيطان ولم تفهم أن أكثر عمومات الشرع مخصوصة بشروط نقلها علماء الدين ، فانظر إلى نفسك فليس الخبر كالعيان وتأمل أن منتهى ذكرك وعبادتك الصلاة فراقب قلبك إذا كنت في صلاتك كيف يجاذبه الشيطان إلى الأسواق ، وحساب العالمين وجواب المعاندين ، وكيف يمر بك في أودية الدنيا ومهالكها حتى إنك لا تذكر ما قد نسيته من فضول الدنيا إلا في صلاتك ، ولا يزدحم الشيطان على قلبك إلا إذا صليت فالصلاة محك القلوب فبها يظهر ، محاسنها ومساويها فالصلاة لا تقبل من القلوب المشحونة بشهوات الدنيا ، فلا جرم لا ينطرد عنك الشيطان بل ربما يزيد عليك الوسواس كما أن الدواء قبل الاحتماء ربما يزيد عليك الضرر ، فإن أردت الخلاص من الشيطان فقدم الاحتماء بالتقوى ثم أردفه بدواء الذكر يفر ، الشيطان منك كما فر من عمر رضي الله عنه ولذلك قال وهب بن منبه اتق الله ولا تسب الشيطان في العلانية وأنت صديقه في السر أي أنت مطيع له ، وقال بعضهم يا عجبا : لمن يعصى المحسن بعد معرفته بإحسانه ويطيع اللعين بعد معرفته بطغيانه وكما إن الله تعالى قال ادعوني أستجب لكم وأنت تدعوه ولا يستجيب لك ، فكذلك تذكر الله ولا يهرب الشيطان منك لفقد شروط الذكر والدعاء .
قيل لإبراهيم بن أدهم ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا ، وقد قال تعالى : ادعوني أستجب لكم قال : لأن قلوبكم ميتة ، قيل : وما الذي أماتها ? قال : ثمان خصال : عرفتم حق الله ولم تقوموا بحقه ، وقرأتم القرآن ولم تعملوا بحدوده ، وقلتم نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تعملوا بسنته ، وقلتم نخشى الموت ولم تستعدوا له ، وقال تعالى : إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا فواطأتموه على المعاصي ، وقلتم نخاف النار وأرهقتم أبدانكم فيها ، وقلتم نحب الجنة ولم تعملوا لها ، وإذا قمتم من فرشكم رميتم عيوبكم وراء ظهوركم ، وافترشتم عيوب الناس أمامكم فأسخطتم ربكم ، فكيف يستجيب لكم .
؟ فإن قلت : فالداعي إلى المعاصي المختلفة شيطان واحد أو شياطين مختلفون ? فاعلم أنه لا حاجة لك إلى معرفة ذلك في المعاملة ، فاشتغل بدفع العدو ولا تسأل عن صفته كل البقل من حيث يؤتى ، ولا تسأل عن المبقلة ولكن الذي يتضح بنور الاستبصار في شواهد الأخبار أنهم جنود مجندة وأن لكل نوع من المعاصي شيطانا يخصه ويدعو إليه فأما ، طريق الاستبصار فذكره يطول ، ويكفيك القدر الذي ذكرناه وهو أن اختلاف المسببات يدل على اختلاف الأسباب ، كما ذكرناه في نور النار وسواد الدخان .
وأما الأخبار فقد قال لإبليس خمسة من الأولاد قد جعل كل واحد منهم على شيء من أمره ثبر والأعور ومسوط وداسم وزلنبور فأما ثبر فهو صاحب المصائب الذي يأمر بالثبور وشق الجيوب ولطم الخدود ودعوى الجاهلية ، وأما الأعور فإنه صاحب الزنا يأمر به ويزينه وأما مسوط فهو صاحب الكذب ، وأما داسم فإنه يدخل مع الرجل إلى أهله يرميهم بالعيب عنده ويغضبه عليهم ، وأما زلنبور فهو صاحب السوق فبسببه لا يزالون متظلمين وشيطان الصلاة يسمى خنزب وشيطان الوضوء يسمى الولهان . مجاهد
وقد ورد في ذلك أخبار كثيرة .