وروى الحسن عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أديموا قرع باب الجنة يفتح لكم فقلت كيف : نديم قرع باب الجنة ? قال : بالجوع والظمأ وروي أن أبا جحيفة تجشأ في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أقصر : من جشائك ، فإن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا وكانت عائشة رضي الله عنها تقول أن : رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تمتلئ قط شبعا ، وربما بكيت رحمة مما أرى به من الجوع ، فأمسح بطنه بيدي وأقول : نفسي لك الفداء ، لو تبلغت من الدنيا بقدر ما يقويك ويمنعك من الجوع ، فيقول : يا عائشة ، إخواني من أولي العزم من الرسل قد صبروا على ما هو أشد من هذا مضوا ، على حالهم ، فقدموا على ربهم ، فأكرم مآبهم وأجزل ثوابهم ، فأجدني أستحي إن ترفهت في معيشتي أن يقصر بي غدا دونهم ، فالصبر أياما يسيرة أحب إلي من أن ينقص حظي غدا في الآخرة ، وما من شيء أحب إلي من اللحوق بأصحابي وإخواني . قالت عائشة : فوالله ما استكمل بعد ذلك جمعة حتى قبضه الله إليه وعن أنس قال : جاءت فاطمة رضوان الله عليها بكسرة خبز إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما هذه الكسرة ? قالت : قرص خبزته ولم ، تطب نفسي حتى أتيتك منه بهذه الكسرة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام وقال أبو هريرة ما أشبع النبي صلى الله عليه وسلم أهله ثلاثة أيام تباعا من خبز الحنطة حتى فارق الدنيا وقال صلى الله عليه وسلم : إن أهل الجوع في الدنيا هم أهل الشبع في الآخرة ، وإن أبغض الناس إلى الله المتخمون الملأى وما ترك عبد أكلة يشتهيها إلا كانت له درجة في الجنة .
وأما الآثار فقد قال عمر رضي الله عنه : إياكم والبطنة ؛ فإنها ثقل في الحياة ، نتن في الممات وقال شقيق البلخي العبادة حرفة ، حانوتها الخلوة ، وآلتها المجاعة وقال لقمان لابنه يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ، وقعدت الأعضاء عن العبادة وكان الفضيل بن عياض يقول لنفسه أي شيء تخافين ? أتخافين أن تجوعي ? لا تخافي ذلك ، أنت أهون على الله من ذلك ، إنما يجوع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكان كهمس يقول : إلهي .
أجعتني وأعريتني ، وفي ظلم الليالي بلا مصباح أجلستني ، فبأي وسيلة بلغتني ما بلغتني وكان فتح الموصلي إذا اشتد مرضه وجوعه يقول : إلهي ، ابتليتني بالمرض والجوع ، وكذلك تفعل بأوليائك ، فبأي عمل أؤدي شكر ما أنعمت به علي وقال مالك بن دينار قلت لمحمد بن واسع يا أبا عبد الله ، طوبى لمن كانت له غليلة تقوته وتغنيه عن الناس . فقال لي : يا أبا يحيى ، طوبى لمن أمسى وأصبح جائعا ، وهو عن الله راض وكان الفضيل بن عياض يقول : إلهي أجعتني وأجعت عيالي ، وتركتني في ظلم الليالي بلا مصباح ، وإنما تفعل ذلك بأوليائك ، فبأي منزلة نلت هذا منك ? وقال يحيى بن معاذ جوع الراغبين منبهة وجوع التائبين تجربة وجوع المجتهدين كرامة وجوع الصابرين سياسة ، وجوع الزاهدين حكمة وفي التوراة : اتق الله ، وإذا شبعت فاذكر الجياع . وقال أبو سليمان لأن أترك لقمة من عشائي أحب إلي من قيام ليلة إلى الصبح وقال أيضا الجوع عند الله في خزائنه ، لا يعطيه إلا من أحبه .


