بيان . فوائد الجوع وآفات الشبع
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش ، فإن الأجر في ذلك ولعلك تقول : هذا الفضل العظيم للجوع من أين هو ? وما سببه ? وليس فيه إلا إيلام المعدة ومقاساة الأذى ، فإن كان كذلك ، فينبغي أن يعظم الأجر في كل ما يتأذى به الإنسان من ضربه لنفسه ، وقطعه للحمه ، وتناوله الأشياء المكروهة ، وما يجري مجراه ، فاعلم أن هذا يضاهي قول من شرب دواء فانتفع به ، وظن أن منفعته لكراهة الدواء ومرارته ، فأخذ يتناول كل ما يكرهه من المذاق ، وهو غلظ بل نفعه في خاصية في الدواء وليس لكونه مرا وإنما يقف على تلك الخاصية الأطباء فكذلك لا يقف على علة نفع الجوع إلا سماسرة العلماء ومن جوع نفسه مصدقا لما جاء في الشرع من مدح الجوع انتفع به ، وإن لم يعرف علة المنفعة ، كما أن من شرب الدواء انتفع به ، وإن لم يعلم وجه كونه نافعا .
ولكنا نشرح لك ذلك إن أردت أن ترتقي من درجة الإيمان إلى درجة العلم قال الله تعالى يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ، فنقول :
; الفائدة الأولى صفاء القلب وإيقاد القريحة وإنفاذ البصيرة فإن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب ويكثر البخار في الدماغ شبه السكر حتى يحتوي على معادن الفكر فيثقل القلب بسببه عن الجريان في الأفكار ، وعن سرعة الإدراك بل الصبي إذا أكثر الأكل بطل حفظه ، وفسد ذهنه ، وصار بطيء الفهم والإدراك وقال أبو سليمان الداراني عليك بالجوع ، فإنه مذلة للنفس ، ورقة للقلب ، وهو يورث العلم السماوي . في الجوع عشر فوائد .
وقال صلى الله عليه وسلم : أحيوا قلوبكم بقلة الضحك وقلة الشبع ، وطهروها بالجوع ، تصفو وترق .
ويقال : مثل الجوع مثل الرعد ، ومثل القناعة مثل السحاب ، والحكمة كالمطر وقال النبي صلى الله عليه وسلم : من أجاع بطنه عظمت فكرته ، وفطن قلبه .
وقال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ابن عباس . من شبع ونام قسا قلبه ثم قال لكل شيء زكاة ، وزكاة البدن الجوع
وقال الشبلي ما جعت لله يوما إلا رأيت في قلبي بابا مفتوحا من الحكمة والعبرة ما رأيته قط .
وليس يخفى أن غاية المقصود من العبادات الفكر الموصل إلى المعرفة والاستبصار بحقائق الحق والشبع يمنع منه والجوع يفتح بابه ، والمعرفة باب من أبواب الجنة فبالحري ، أن تكون ملازمة الجوع قرعا لباب الجنة ولهذا قال لقمان لابنه : يا بني ، إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة ، وقعدت الأعضاء عن العبادة وقال أبو يزيد البسطامي الجوع سحاب ، فإذا جاع العبد أمطر القلب الحكمة وقال النبي صلى الله عليه وسلم : نور الحكمة الجوع ، والتباعد من الله عز وجل الشبع ، والقربة إلى الله عز وجل حب المساكين والدنو منهم لا ، تشبعوا فتطفئوا نور الحكمة من قلوبكم ، ومن بات في خفة من الطعام بات الحور حوله حتى يصبح .
.