ولا ينسى أهل البلاء فإن الشبعان ينسى الجائع وينسى الجوع والعبد الفطن لا يشاهد بلاء من غيره إلا ويتذكر بلاء الآخرة ، فيذكر من عطشه عطش الخلق في عرصات القيامة ومن جوعه جوع أهل النار حتى إنهم ليجوعون فيطعمون الضريع والزقوم ويسقون الغساق والمهل فلا ينبغي أن يغيب عن العبد عذاب الآخرة وآلامها ، فإنه هو الذي يهيج الخوف فمن لم يكن في ذلة ولا علة ولا قلة ولا بلاء نسي عذاب الآخرة ، ولم يتمثل في نفسه ولم يغلب على قلبه ، فينبغي أن يكون العبد في مقاساة بلاء أو مشاهدة بلاء وأولى ما يقاسيه من البلاء الجوع ؛ فإن فيه فوائد جمة سوى تذكر عذاب الآخرة ، وهذا أحد الأسباب الذي اقتضى اختصاص البلاء بالأنبياء والأولياء والأمثل فالأمثل ولذلك قيل الفائدة الرابعة أن لا : ينسى بلاء الله وعذابه ليوسف عليه السلام : لم تجوع وفي يديك خزائن الأرض فقال : أخاف أن أشبع فأنسى الجائع فذكر الجائعين والمحتاجين إحدى فوائد الجوع ، فإن ذلك يدعو إلى الرحمة والإطعام والشفقة على خلق الله عز وجل والشبعان في غفلة عن ألم الجائع .