الفائدة العاشرة أن يتمكن من الإيثار والتصدق بما فضل من الأطعمة على اليتامى والمساكين ، فيكون يوم القيامة في ظل صدقته ، كما ورد به الخبر فما يأكله كان خزانته الكنيف وما يتصدق به كان خزانته فضل الله تعالى ، فليس للعبد من ماله إلا ما تصدق فأبقى ، أو أكل فأفنى ، أو لبس فأبلى فالتصدق بفضلات الطعام أولى من التخمة والشبع ، وكان الحسن رحمه الله عليه إذا تلا قوله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا قال : عرضها على السماوات السبع الطباق والطرائق ، التي زينها بالنجوم ، وحملة العرش العظيم ، فقال لها سبحانه وتعالى : هل تحملين الأمانة بما فيها ? قالت : وما فيها ? قال : إن أحسنت جوزيت ، وإن أسأت عوقبت ، فقالت : لا . ثم عرضها كذلك على الأرض فأبت ، ثم عرضها على الجبال الشوامخ الصلاب الصعاب ، فقال لها : هل تحملين الأمانة بما فيها ? قالت : وما فيها ? فذكر الجزاء والعقوبة ، فقالت : لا . ثم عرضها على الإنسان فحملها ؛ إنه كان ظلوما لنفسه ، جهولا بأمر ربه ، فقد رأيناهم والله اشتروا الأمانة بأموالهم ، فأصابوا آلافا ، فماذا صنعوا فيها ? وسعوا بها دورهم ، وضيقوا بها قبورهم وأسمنوا ، براذينهم وأهزلوا دينهم ، وأتعبوا أنفسهم بالغدو والرواح إلى باب السلطان يتعرضون للبلاء وهم من الله في عافية ، يقول أحدهم تبيعني أرض : كذا وكذا وأزيدك كذا ، وكذا يتكئ ، على شماله ويأكل من غير ماله حديثه سخرة وماله حرام ، حتى إذا أخذته الكظة ونزلت به البطنة قال : يا غلام ، ائتني بشيء أهضم به طعامي يا لكع أطعامك تهضم ? إنما تهضم دينك أين الفقير ? أين الأرملة ? أين المسكين ? أين اليتيم الذي أمرك الله تعالى بهم فهذه ؟ إشارة إلى هذه الفائدة وهو صرف ، فاضل الطعام إلى الفقير ليدخر به الأجر ، فذلك خير له من أن يأكله حتى يتضاعف الوزر عليه ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل سمين البطن فأومأ إلى بطنه بإصبعه وقال : لو كان هذا في غير هذا ، لكان خيرا لك . أي : لو قدمته لآخرتك وآثرت به غيرك وعن الحسن قال : والله لقد أدركت أقواما كان الرجل منهم يمسي وعنده من الطعام ما يكفيه ، ولو شاء لأكله ، فيقول : والله لا أجعل هذا كله لبطني حتى أجعل بعضه لله .
فهذه عشرة فوائد للجوع يتشعب ، من كل فائدة فوائد لا ينحصر عددها ، ولا تتناهى فوائدها فالجوع خزانة عظيمة لفوائد الآخرة ولأجل هذا قال بعض السلف : الجوع مفتاح الآخرة ، وباب الزهد ، والشبع مفتاح الدنيا ، وباب الرغبة بل ذلك صريح في الأخبار التي رويناها بالوقوف ، على تفصيل هذه الفوائد تدرك معاني تلك الأخبار إدراك علم وبصيرة ، فإذا لم تعرف هذا وصدقت بفضل الجوع كانت ، لك رتبة المقلدين في الإيمان ، والله أعلم بالصواب .
.


