الوظيفة الثانية في ، وفيه أيضا أربع درجات . وقت الأكل ومقدار تأخيره
; الدرجة العليا أن يطوي ثلاثة أيام ، فما فوقها ، وفي المريدين من رد الرياضة إلى الطي ، لا إلى المقدار ، حتى انتهى بعضهم إلى ثلاثين يوما وأربعين يوما ، وانتهى إليه جماعة من العلماء يكثر عددهم منهم محمد بن عمرو القرني وعبد الرحمن بن إبراهيم ورحيم وإبراهيم التيمي وحجاج بن فرافصة وحفص العابد المصيصي ، والمسلم بن سعيد وزهير وسليمان الخواص وسهل بن عبد الله التستري وإبراهيم بن أحمد الخواص وقد كان رضي الله عنه يطوي ستة أيام ، وكان أبو بكر الصديق عبد الله بن الزبير يطوي سبعة أيام ، وكان أبو الجوزاء ، صاحب يطوي سبعا وروي أن الثوري وإبراهيم بن أدهم كانا يطويان ثلاثا ثلاثا كل ذلك كانوا يستعينون بالجوع على طريق الآخرة . ابن عباس
قال بعض العلماء من طوى لله أربعين يوما ظهرت له قدرة من الملكوت أو كوشف ببعض الأسرار الإلهية وقد حكي أن بعض أهل هذه الطائفة مر براهب فذاكره بحاله وطمع في إسلامه ، وترك ما هو عليه من الغرور ، فكلمه في ذلك كلاما كثيرا ، إلى أن قال له الراهب : إن المسيح كان يطوي أربعين يوما ، وإن ذلك معجزة لا تكون إلا لنبي أو صديق فقال له الصوفي فإن : طويت خمسين يوما تترك ما أنت عليه وتدخل في دين الإسلام وتعلم أنه حق وأنك على باطل ? قال : نعم . فجلس لا يبرح إلا حيث يراه ، حتى طوى خمسين يوما ثم قال : وأزيدك أيضا . فطوى إلى تمام الستين فتعجب الراهب منه وقال : ما كنت أظن أن أحدا يجاوز المسيح فكان ذلك سبب إسلامه .
وهذه درجة عظيمة قل من يبلغها إلا مكاشف محمول شغل بمشاهدة ما قطعه عن طبعه وعادته ، واستوفى نفسه في لذته وأنساه جوعته وحاجته .
الدرجة الثانية أن يطوي يومين إلى ثلاثة وليس ذلك خارجا عن العادة ، بل هو قريب يمكن الوصول ، إليه بالجد والمجاهدة .
الدرجة الثالثة ، وهي أدناها : أن يقتصر في اليوم والليلة على أكلة واحدة ، وهذا هو الأقل ، وما جاوز ذلك إسراف ومداومة للشبع حتى لا يكون له حالة جوع وذلك فعل المترفين ، وهو بعيد من السنة فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وكان السلف يأكلون في كل يوم أكلة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تغدى لم يتعش ، وإذا تعشى لم يتغد وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إياك والسرف ، فإن أكلتين في يوم من السرف وأكلة واحدة في كل يومين إقتار ، وأكلة في كل يوم قوام بين ذلك لعائشة ، وهو المحمود في كتاب الله عز وجل .
ومن اقتصر في اليوم على أكلة واحدة فيستحب له أن يأكلها سحرا قبل طلوع الفجر ؛ فيكون أكله بعد التهجد ، وقبل الصبح ، فيحصل له جوع النهار للصيام وجوع الليل ؛ للقيام ، وخلو القلب لفراغ المعدة ، ورقة الفكر واجتماع الهم وسكون النفس إلى المعلوم ، فلا تنازعه قبل وقته وفي حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن رضي الله عنه قال : ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامكم هذا قط ، وإن كان ليقوم حتى تورم قدماه وما واصل وصالكم هذا قط ، غير أنه قد أخر الفطر إلى السحر . أبي هريرة
وفي حديث رضي الله عنها قالت : عائشة . " كان النبي صلى الله عليه وسلم يواصل إلى السحر
فإن كان يلتفت قلب الصائم بعد المغرب إلى الطعام ، وكان ذلك يشغله عن حضور القلب في التهجد فالأولى أن يقسم طعامه نصفين فإن ، كان رغيفين مثلا أكل رغيفا عند الفطر ، ورغيفا عند السحر ; لتسكن نفسه ويخف بدنه عند التهجد ولا يشتد بالنهار جوعه ؛ لأجل التسحر ، فيستعين بالرغيف الأول على التهجد ، وبالثاني على الصوم ومن كان يصوم يوما ويفطر يوما فلا بأس أن يأكل كل يوم فطره وقت الظهر ، ويوم صومه وقت السحر فهذه الطرق في مواقيت الأكل وتباعده وتقاربه .