وروي عن  مالك بن دينار  أنه بقي أربعين سنة يشتهي لبنا فلم يأكله  وأهدى إليه يوما رطب فقال لأصحابه : كلوا ، فما ذقته منذ أربعين سنة وقال  أحمد بن أبي الحواري  اشتهى  أبو سليمان الداراني  رغيفا حارا بملح ، فجئت به إليه ، فعض منه عضة ، ثم طرحه ، وأقبل يبكي ، وقال : عجلت إلى شهوتي بعد إطالة جهدي واشقوتي ، قد عزمت على التوبة ، فأقلني . قال  أحمد   : فما رأيته أكل الملح حتى لقي الله تعالى وقال مالك بن ضيغم   : مررت بالبصرة  في السوق ، فنظرت إلى البقل فقالت لي نفسي : لو أطعمتني الليلة من هذا فأقسمت أن لا أطعمها إياه أربعين ليلة ومكث  مالك بن دينار  بالبصرة  خمسين سنة ما أكل رطبة لأهل البصرة  ولا بسرة قط  ، وقال : يا أهل البصرة  ، عشت فيكم خمسين سنة ما أكلت لكم رطبة ولا بسرة فما زاد فيكم ، ما نقص مني ولا نقص مني ما زاد فيكم ، وقال طلقت الدنيا منذ خمسين سنة ، اشتهت نفسي لبنا منذ أربعين سنة ، فوالله لا أطعمها حتى ألحق بالله تعالى وقال حماد بن أبي حنيفة أتيت داود الطائي والباب مغلق عليه ، فسمعته يقول نفسي : اشتهيت جزرا ، فأطعمتك جزرا ، ثم اشتهيت تمرا ، فآليت أن لا تأكليه أبدا . فسلمت ودخلت ، فإذا هو وحده ومر أبو حازم يوما في السوق ، فرأى الفاكهة ، فاشتهاها ، فقال لابنه : اشتر لنا من هذه الفاكهة المقطوعة الممنوعة ، لعلنا نذهب إلى الفاكهة التي لا مقطوعة ولا ممنوعة ، فلما اشتراها وأتى بها إليه ، قال لنفسه : قد خدعتيني حتى نظرت واشتهيت ، وغلبتيني حتى اشتريت ، والله لا ذقتيه ، فبعث بها إلى يتامى من الفقراء وعن موسى الأشج  أنه قال : نفسي تشتهي ملحا جريشا منذ عشرين سنة وعن أحمد بن خليفة  قال : نفسي تشتهي منذ عشرين سنة ، ما طلبت مني إلا الماء حتى تروى ، فما أرويتها وروي أن عتبة الغلام اشتهى لحما سبع سنين ، فلما كان بعد ذلك قال : استحييت من نفسي أن أدافعها منذ سبع سنين سنة بعد سنة ، فاشتريت قطعة لحم على خبز ، وشويتها . 
وتركتها على رغيف ، فلقيت صبيا ، فقلت: ألست أنت ابن فلان ، وقد مات أبوك ؟ قال : بلى ، فناولته إياها ، قالوا : وأقبل يبكي ويقرأ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا  ، ثم لم يذقه بعد ذلك ومكث يشتهي تمرا سنين فلما كان ذات يوم ، اشترى تمرا بقيراط ورفعه إلى الليل ليفطر عليه ، قال : فهبت ريح شديدة حتى أظلمت الدنيا ، ففزع الناس ، فأقبل عتبة  على نفسه يقول هذا لجراءتي : عليك وشرائي التمر بالقيراط ، ثم قال لنفسه : ما أظن أخذ الناس إلا بذنبك على أن لا ، تذوقيه واشترى داود الطائي بنصف فلس بقلا وبفلس خلا ، وأقبل ليلته كلها يقول لنفسه : ويلك يا دواد ، ما أطول حسابك يوم القيامة ! ثم لم يأكل بعده إلا قفارا وقال عتبة الغلام يوما  لعبد الواحد بن زيد  إن فلانا يصف من نفسه منزلة ما أعرفها من نفسي فقال : لأنك تأكل مع خبزك تمرا ، وهو لا يزيد على الخبز شيئا قال : فإن أنا تركت أكل التمر عرفت تلك المنزلة ؟ قال : نعم ، وغيرها . فأخذ يبكي فقال ، له بعض أصحابه لا : أبكى الله عينك ، أعلى التمر تبكي ؟ فقال عبد الواحد   : دعه ؛ فإن نفسه قد عرفت صدق عزمه في الترك وهو إذا ، ترك شيئا لم يعاوده وقال جعفر بن نصر أمرني  الجنيد  أن أشتري له التين الوزيري ، فلما اشتريته أخذ واحدة عند الفطور ، فوضعها في فمه ، ثم ألقاها ، وجعل يبكي ، ثم قال : احمله . فقلت له في ذلك ، فقال : هتف بي هاتف : أما تستحي ؟ تركته من أجلي ثم تعود إليه ؟ وقال صالح المري قلت لعطاء السلمي  إني متكلف لك شيئا ، فلا ترد علي كرامتي . فقال : افعل ما تريد قال ، فبعثت إليه مع ابني شربة من سويق قد ، لتته بسمن وعسل فقلت : لا تبرح حتى يشربها ، فلما كان من الغد جعلت له نحوها ، فردها ولم يشربها ، فعاتبته ولمته على ذلك ، وقلت : سبحان الله ، رددت علي كرامتي ؟ فلما رأى وجدي لذلك قال : لا يسوءك هذا ؛ إني قد شربتها أول مرة ، وقد راودت نفسي في المرة الثانية على شربها ، فلم أقدر على ذلك ، كلما أردت ذلك ذكرت قوله تعالى : يتجرعه ولا يكاد يسيغه  الآية ، قال صالح   : فبكيت وقلت في نفسي : أنا في واد وأنت في واد آخر . 
     	
		
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					