وهذه إشارة إلى فلينظر المريد إلى حاله وقلبه ، فإن وجده في العزوبة فهو الأقرب وإن عجز عن ذلك ، فالنكاح أولى به ودواء هذه العلة ثلاثة أمور الجوع وغض البصر والاشتغال بشغل يستولي على القلب فإن لم تنفع هذه الثلاثة ، فالنكاح هو الذي يستأصل مادتها فقط ولهذا كان السلف يبادرون إلى النكاح وإلى تزويج البنات قال سعيد بن المسيب ما أيس إبليس من أحد إلا وأتاه من قبل النساء وقال سعيد أيضا وهو ابن أربع وثمانين سنة ، وقد ذهبت إحدى عينيه وهو ، يعشو بالأخرى : ما شيء أخوف عندي من النساء وعن عبد الله بن أبي وداعة قال : كنت أجالس أن كل ما يشغل عن الله تعالى فهو نقصان فتفقدني أياما ، فلما أتيته قال : أين كنت ؟ قلت : توفيت أهلي ، فاشتغلت بها ، فقال : هلا أخبرتنا فشهدناها قال : ثم أردت أن أقوم ، فقال : هل استحدثت امرأة فقلت : يرحمك الله تعالى ، ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة ؟ فقال : أنا . فقلت : وتفعل ؟ قال : نعم . فحمد الله تعالى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، وزوجني على درهمين . أو قال: ثلاثة ، قال: فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح ، فصرت إلى منزلي وجعلت أفكر ممن آخذ ، وممن أستدين ، فصليت المغرب وانصرفت إلى منزلي فأسرجت وكنت صائما ، فقدمت عشائي لأفطر ، وكان خبزا وزيتا وإذا بابي يقرع ، فقلت : من هذا ؟ قال : سعيد بن المسيب سعيد . قال : فأفكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا وذلك أنه لم ير أربعين سنة إلا بين داره والمسجد ، قال : فخرجت إليه فإذا ، به سعيد بن المسيب ، فظننت أنه قد بدا له فقلت : يا سعيد بن المسيب أبا محمد ، لو أرسلت إلي لأتيتك . فقال : لا ، أنت أحق أن تؤتى . قلت : فما تأمر ؟ قال : إنك كنت رجلا عزبا ، فتزوجت ، فكرهت أن أبيتك الليلة وحدك ، وهذه امرأتك ، وإذا هي قائمة خلفه في طوله ، ثم أخذ بيدها فدفعها في الباب ورده فسقطت المرأة من الحياء ، فاستوثقت من الباب ، ثم تقدمت إلى القصعة التي فيها الخبز والزيت ، فوضعتها في ظل السراج ؛ لكيلا تراه ثم صعدت السطح فرميت الجيران فجاءوني ، وقالوا : ما شأنك ؟ قلت ويحكم ، زوجني ابنته اليوم ، وقد جاء بها الليلة على غفلة فقالوا: أو سعيد زوجك ؟ قلت : نعم . قالوا : وهي في الدار ؟ قلت : نعم . فنزلوا إليها ، وبلغ ذلك أمي فجاءت وقالت : وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام قال ، فأقمت ثلاثا ، ثم دخلت بها ، فإذا هي من أجمل النساء وأحفظ الناس لكتاب الله تعالى وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعرفهم بحق الزوج ، قال : فمكثت شهرا لا يأتيني سعيد بن المسيب سعيد ولا آتيه ، فلما كان بعد الشهر أتيته ، وهو في حلقته ، فسلمت عليه ، فرد علي السلام ولم يكلمني حتى تفرق الناس من المجلس ، فقال ما : حال ذلك الإنسان ؟ فقلت بخير : يا أبا محمد ، على ما يحب الصديق ويكره العدو ؟ قال : إن رابك منه أمر فدونك والعصا . فانصرفت إلى منزلي ، فوجه إلي بعشرين ألف درهم ، قال عبد الله بن سليمان وكانت بنت سعيد بن المسيب هذه قد خطبها منه لابنه عبد الملك بن مروان الوليد حين ولاه العهد فأبى سعيد أن يزوجه فلم يزل عبد الملك يحتال على سعيد حتى ضربه مائة سوط في يوم بارد ، وصب عليه جرة ماء ، وألبسه جبة صوف فاستعجال سعيد في الزفاف تلك الليلة يعرفك غائلة رضي الله تعالى عنه ورحمه . الشهوة ، ووجوب المبادرة في الدين إلى تطفئة نارها بالنكاح