يوسف عليه السلام وامتناعه من زليخا مع القدرة ومع رغبتها ، معروفة وقد أثنى الله تعالى عليه بذلك في كتابه العزيز وهو إمام لكل من وفق لمجاهدة الشيطان في هذه الشهوة العظيمة . وقصة
وروي أن سليمان بن يسار كان من أحسن الناس وجها ، فدخلت عليه امرأة ، فسألته نفسه ، فامتنع عليها ، وخرج هاربا من منزله وتركها فيه قال سليمان : فرأيت تلك الليلة في المنام يوسف عليه السلام ، وكأني أقول له : أنت يوسف ؟ قال نعم : أنا يوسف الذي هممت ، وأنت سليمان الذي لم تهم أشار . إلى قوله تعالى : ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه وعنه أيضا ما هو أعجب من هذا ، وذلك أنه خرج من المدينة حاجا ومعه رفيق له حتى نزلا بالأبواء فقام رفيقه وأخذ السفرة وانطلق إلى السوق ؛ ليبتاع شيئا وجلس سليمان في الخيمة وكان من أجمل الناس وجها وأورعهم فبصرت به أعرابية من قلة الجبل وانحدرت إليه ، حتى وقفت بين يديه وعليها البرقع والقفازان فأسفرت عن وجه لها كأنه فلقة قمر وقالت : أهنئني . فظن أنها تريد طعاما ، فقام إلى فضلة السفرة ليعطيها ، فقالت : لست أريد هذا ، إنما أريد ما يكون من الرجل إلى أهله . فقال : جهزك إلي إبليس ؟ ثم وضع رأسه بين ركبتيه وأخذ في النحيب فلم يزل يبكي ، فلما رأت منه ذلك سدلت البرقع على وجهها وانصرفت راجعة حتى بلغت أهلها ، وجاء رفيقه فرآه وقد انتفخت عيناه من البكاء ، وانقطع حلقه فقال : ما يبكيك ؟ قال : خير ، ذكرت صبيتي . قال : لا ، والله إلا أن لك قصة ؛ إنما عهدك بصبيتك منذ ثلاث أو نحوها . فلم يزل به حتى أخبره خبر الأعرابية ، فوضع رفيقه السفرة ، وجعل يبكي بكاء شديدا ، فقال سليمان : وأنت ما يبكيك ؟ قال : أنا أحق بالبكاء منك لأني أخشى أن لو كنت مكانك لما صبرت عنها . فلم يزالا يبكيان ، فلما انتهى سليمان إلى مكة فسعى وطاف ثم أتى الحجر فاحتبى بثوبه فأخذته عينه ، فنام ، وإذا رجل وسيم طوال له شارة حسنة ورائحة طيبة ، فقال له سليمان : رحمك الله ، من أنت ؟ قال له : أنا يوسف قال يوسف الصديق ؟ قال : نعم . قال : إن في شأنك وشأن امرأة العزيز لعجبا فقال له يوسف : شأنك وشأن صاحبة الأبواء أعجب .
وروي عن قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عبد الله بن عمر انطلق ثلاثة نفر مما كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوا ، فانحدرت صخرة من الجبل ، فسدت عليهم الغار ، فقالوا : إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلى أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم فقال رجل منهم : اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران ، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا فنأى بي طلب الشجر يوما ، فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما .
فوجدتهما نائمين ، فكرهت أن أغبق قبلها أهلا ومالا فلبثت والقدح في يدي أنتظر استيقاظهما حتى طلع الفجر والصبية يتضاغون حول قدمي ، فاستيقظا فشربا غبوقهما ، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ، ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة . فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه وقال الآخر : اللهم إنك تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إلي فراودتها ، عن نفسها ، فامتنعت مني حتى ألمت بي سنة من السنين ، فجاءتني فأعطيتها مائة وعشرين دينارا على أن تخلي بيني وبين نفسها ، ففعلت ، حتى إذا قدرت عليها قالت : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها ، فانصرفت عنها ، وهي من أحب الناس إلي ، وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت فعلته ابتغاء وجهك ، ففرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة عنهم حتى ، إنهم لا يستطيعون الخروج منها وقال الثالث : اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجورهم غير رجل واحد ؛ فإنه ترك الأجر الذي له وذهب فنميت له أجره حتى كثرت منه الأموال ، فجاءني بعد حين فقال يا عبد الله ، أعطني أجري . فقلت كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق . فقال يا عبد الله أتهزأ بي ؟ فقلت لا أستهزئ بك فخذه . فاستاقه وأخذه كله ، ولم يترك منه شيئا ، اللهم ، إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ، ففرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون .
فهذا وقريب منه من تمكن من قضاء شهوة العين ؛ فإن العين مبدأ الزنا فحفظها مهم وهو عسر من حيث إنه قد يستهان به ولا يعظم الخوف منه ، والآفات كلها منه تنشأ . فضل من تمكن من قضاء هذه الشهوة فعف