وأما أداء المزاح إلى سقوط الوقار ، فقد قال عمر رضي الله عنه : من مزح استخف به .
وقال محمد بن المنكدر قالت لي أمي يا بني لا تمازح الصبيان فتهون عندهم وقال سعيد بن العاص لابنه يا بني ، لا تمازح الشريف فيحقد عليك ، ولا الدنيء فيجترئ عليك وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى اتقوا الله وإياكم والمزاح ؛ فإنه يورث الضغينة ويجر إلى القبيح ، تحدثوا بالقرآن ، وتجالسوا به ؛ فإن ثقل عليكم فحديث حسن من حديث الرجال .
وقال عمر رضي الله عنه : أتدرون لم سمي المزاح مزاحا ؟ قالوا : لا . قال : لأنه أزاح صاحبه عن الحق وقيل : لكل شيء بذور وبذور ، العداوة المزاح ويقال : المزاح مسلبة للنهى مقطعة للأصدقاء .
فإن قلت قد : نقل المزاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فكيف ينهى عنه ، فأقول : إن قدرت على ما قدر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وهو أن تمزح ولا تقول إلا حقا ، ولا تؤذي قلبا ، ولا تفرط فيه ، وتقتصر عليه أحيانا على الندور فلا حرج عليك فيه ، ولكن من الغلط العظيم أن يتخذ الإنسان المزاح حرفة يواظب عليه ، ويفرط فيه ، ثم يتمسك بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وهو كمن يدور نهاره مع الزنوج ينظر إليهم وإلى رقصهم ويتمسك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة في النظر إلى رقص الزنوج في يوم عيد وهو خطأ ، إذ من الصغائر ما يصير كبيرة بالإصرار ومن المباحات ما يصير صغيرة بالإصرار فلا ينبغي أن يغفل عن هذا نعم روى أبو هريرة أنهم قالوا: يا رسول الله إنك تداعبنا فقال : إني وإن داعبتكم لا أقول إلا حقا .


