الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وذكر أن حكيما من الحكماء زاره بعض إخوانه فأخبره بخبر عن بعض أصدقائه ، فقال له الحكيم : قد أبطأت في الزيارة وأتيت ، بثلاث جنايات بغضت أخي إلي وشغلت ، قلبي الفارغ واتهمت ، نفسك الأمينة ، وروي أن سليمان بن عبد الملك كان جالسا ، وعنده الزهري ، فجاءه رجل ، فقال له سليمان : بلغني أنك وقعت في ، وقلت كذا وكذا . فقال الرجل : ما فعلت ولا قلت . فقال سليمان : إن الذي أخبرني صادق فقال له الزهري : لا يكون النمام صادقا . فقال سليمان : صدقت ثم قال للرجل اذهب بسلام .

وقال الحسن من نم إليك ، نم عليك وهذا إشارة إلى أن النمام ينبغي أن يبغض ولا يوثق بقوله ولا بصداقته وكيف لا يبغض وهو لا ينفك عن الكذب والغيبة والغدر والخيانة والغل والحسد والنفاق والإفساد بين الناس ، والخديعة وهو ممن يسعون في قطع ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض ، وقال تعالى : إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق ، والنمام منهم وقال صلى الله عليه وسلم : إن من شرار الناس .

من اتقاه الناس لشره
والنمام منهم وقال : لا يدخل الجنة قاطع قيل وما القاطع؟ قال : قاطع بين الناس وهو النمام ، وقيل : قاطع الرحم .

وروي عن علي رضي الله عنه أن رجلا سعى إليه برجل ، فقال له : يا هذا ، نحن نسأل عما قلت ، فإن كنت صادقا مقتناك وإن كنت كاذبا عاقبناك وإن شئت أن نقيلك أقلناك فقال : أقلني يا أمير المؤمنين . وقيل لمحمد بن كعب القرظي أي خصال المؤمن أوضع له فقال : كثرة الكلام ، وإفشاء السر ، وقبول قول كل أحد وقال رجل لعبد الله ابن عامر وكان أميرا بلغني أن فلانا أعلم الأمير أني ذكرته بسوء ، قال : قد كان ذلك . قال : فأخبرني بما قال لك حتى أظهر كذبه عندك . قال : ما أحب أن أشتم نفسي بلساني ، وحسبي أني لم أصدقه فيما قال ، ولا أقطع عنك الوصال .

وذكرت السعاية عند بعض الصالحين ، فقال : ما ظنكم بقوم يحمد الصدق من كل طائفة من الناس إلا منهم وقال مصعب بن الزبير نحن نرى أن قبول السعاية شر من السعاية ; لأن السعاية دلالة ، والقبول إجازة ، وليس من دل على شيء فأخبر به كمن قبله وأجازه ، فاتقوا الساعي فلو كان صادقا في قوله لكان لئيما في صدقه ، حيث لم يحفظ الحرمة ، ولم يستر العورة ، والسعاية هي النميمة إلا أنها ، إذا كانت إلى من يخاف جانبه سميت سعاية وقد قال صلى الله عليه وسلم : الساعي بالناس إلى الناس لغير رشدة . يعني : ليس بولد حلال ودخل رجل على سليمان بن عبد الملك فاستأذنه في الكلام ، وقال : إني مكلمك يا أمير المؤمنين بكلام ، فاحتمله إن كرهته ، فإن وراءه ما تحب إن قبلته فقال : قل . فقال : يا أمير المؤمنين ، إنه قد اكتنفك رجال ابتاعوا دنياك بدينهم ، ورضاك بسخط ربهم ، خافوك في الله ، ولم يخافوا الله فيك ، فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه ، ولا تصخ إليهم فيما استحفظك الله إياه ؛ فإنهم لن يألوا في الأمة خسفا وفي الأمانة ، تضييعا ، والأعراض قطعا وانتهاكا ، أعلى قربهم البغي والنميمة ، وأجل وسائلهم الغيبة والوقيعة وأنت مسئول عما أجرموا وليسوا المسئولين عما أجرمت ، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك ؛ فإن أعظم الناس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره وسعى رجل بزياد الأعجم إلى سليمان بن عبد الملك فجمع بينهما ؛ للموافقة ، فأقبل زياد على الرجل وقال .

فأنت

امرؤ إما ائتمنتك خاليا فخنت وإما قلت قولا بلا علم     فأنت من الأمر الذي كان بيننا
بمنزلة بين الخيانة والإثم

وقال رجل لعمرو بن عبيد إن الأسواري ما يزال يذكرك في قصصه بشر ، فقال له عمرو يا هذا : ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه ، ولا أديت حقي حين أعلمتني عن أخي ما أكره ، ولكن أعلمه أن الموت يعمنا ، والقبر يضمنا والقيامة تجمعنا ، والله تعالى يحكم بيننا ، وهو خير الحاكمين . ورفع بعض السعاة إلى الصاحب بن عباد رقعة نبه فيها على مال يتيم يحمله على أخذه لكثرته فوقع ، على ظهرها السعاية قبيحة ، وإن كانت صحيحة فإن كنت أجريتها مجرى النصح فخسرانك فيها أفضل من الربح، ومعاذ الله أن نقبل مهتوكا في مستور ولولا أنك في خفارة شيبتك لقابلناك بما يقتضيه فعلك في مثلك فتوق يا ملعون العيب فإن الله أعلم بالغيب ، الميت رحمه الله ، واليتيم جبره الله ، والمال ثمره الله والساعي لعنه الله . وقال لقمان لابنه : يا بني أوصيك ، بخلال ، إن تمسكت بهن لم تزل سيدا ابسط خلقك للقريب والبعيد ، وأمسك جهلك عن الكريم واللئيم ، واحفظ إخوانك ، وصل أقاربك وآمنهم ، من قبول قول ساع أو سماع باغ يريد فسادك ، ويروم خداعك ، وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك لم تعبهم ولم يعيبوك . وقال بعضهم : النميمة مبنية على الكذب والحسد والنفاق ، وهي أثافي الذل وقال بعضهم : لو صح ما نقله النمام إليك لكان هو المجترئ بالشتم عليك ، والمنقول عنه أولى بحلمك لأنه لم يقابلك بشتمك .

وعلى الجملة فشر النمام عظيم ينبغي أن يتوقى قال حماد بن سلمة باع رجل عبدا ، وقال للمشتري : ما فيه عيب إلا النميمة . قال : رضيت . فاشتراه ، فمكث الغلام أياما ثم قال لزوجة مولاه : إن سيدي لا يحبك ، وهو يريد أن يتسرى عليك ، فخذي الموسى واحلقي من شعر قفاه عند نومه شعرات حتى أسحره عليها فيحبك ، ثم قال للزوج : إن امرأتك اتخذت خليلا ، وتريد أن تقتلك ، فتناوم لها حتى تعرف ذلك فتناوم لها . فجاءت المرأة بالموسى ، فظن أنها تريد قتله ، فقام إليها فقتلها ، فجاء أهل المرأة فقتلوا الزوج ووقع ، القتال بين القبيلتين فنسأل الله حسن التوفيق .

.

التالي السابق


(وذكر أن حكيما من الحكماء زاره بعض إخوانه فأخبره بخبر عن غيره، فقال له الحكيم: قد أبطأت في الزيارة، وأتيتني بثلاث جنايات، الأولى: بغضت إلي أخي، و) الثانية: (شغلت قلبي الفارغ، و) الثالثة: (اتهمت نفسك الأمينة، وروي أن سليمان بن عبد الملك) بن مروان (كان جالسا، وعنده) محمد بن شهاب (الزهري، فجاءه رجل، فقال له سليمان : بلغني أنك وقعت في، وقلت كذا وكذا. فقال الرجل: ما فعلت ولا قلت. فقال سليمان : إن الذي أخبرني كان صادقا) فيما أخبر. (فقال الزهري : لا يكون النمام صادقا . فقال سليمان : صدقت) ، وقال للرجل: (اذهب بسلام. وقال الحسن) البصري رحمه الله تعالى: (من نم إليك، نم عليك) ، ويروى: من نم لك، نم عليك، (وهذه إشارة إلى أن النمام ينبغي أن يبغض) ، ولا يحب، (ولا يوثق بصداقته) وتقربه وتملقه، (وكيف لا يبغض وهو لا ينفك عن الكذب) فيما ينقله .

(والغيبة والغدر والخيانة والغل والحسد والنفاق والإفساد بين الناس، والخديعة) ، وهذه كلها صفات ذميمة قد جمعت في النمام ، (وهو ممن قد سعى في قطع ما أمر الله به أن يوصل، قال تعالى: ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض ، وقال تعالى: إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق ، والنمام منهم) ; لأنه يسعى في الإفساد والإغراء بين الإخوان، ويبغي العنت للبرآء .

(وقال صلى الله عليه وسلم: إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره ) ، رواه الشيخان من حديث عائشة بنحوه، قال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو خيثمة ، وإسحاق بن إسماعيل قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر ، سمع عروة : حدثتني عائشة قالت: "استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة -أو: بئس رجل العشيرة-، فلما أن دخل ألان له القول، فلما خرج قلنا: قلت الذي قلت، ثم ألنت له القول. قال: أي عائشة ، شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه -أو تركه- الناس اتقاء شره" . هكذا رواه الشيخان وأبو داود والترمذي ، وفي لفظ بعضهم: اتقاء فحشه، وفي أوله: "إن شر الناس" ، وعند الطبراني في الأوسط من حديث أنس : "إن شر الناس منزلة من يخاف الناس شره" . وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا علي بن الجعد ، أخبرني عثمان بن مطر ، عن ثابت عن أنس أن رجلا أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في حلقة، فأثنوا عليه شرا، فرحب به النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قفى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شر الناس منزلة يوم القيامة من يخاف لسانه، أو يخاف شره" . (والنمام منهم) ; لأن الناس يخشون لسانه، ويخافون شره .

(وقال صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة قاطع ) ، رواه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي ، وقال: حسن صحيح، وابن خزيمة وابن حبان من حديث جبير بن مطعم ، (قيل: قاطع بين الناس) بالإغراء والإفساد (وهو النمام، وقيل: قاطع الرحم) ، وهكذا رواه الطبراني في الكبير، من حديث جبير بن مطعم ، ورواه الخرائطي في مساوئ الأخلاق من حديث أبي سعيد ، وقيل: المراد به قاطع الطريق، ولفظ الحديث محتمل لكل من المعاني الثلاثة، (وروي عن علي كرم الله وجهه أن رجلا أتاه يسعى إليه برجل، فقال: يا هذا، نحن نسأل عما قلت، فإن كنت صادقا [ ص: 566 ] مقتناك) أي: أبغضناك، (وإن كنت كاذبا عاقبناك) عقوبة المفتري، (وإن شئت أن نقيلك أقلناك. قال: أقلني يا أمير المؤمنين. وقيل لمحمد بن كعب القرظي ) التابعي، الثقة رحمه الله تعالى: (أي خصال المؤمن أوضع له) أي: أكثر حطا له في الرتبة؟ (قال: كثرة الكلام، وإفشاء السر، وقبول قول كل أحد) أي: فإن في كل خصلة منها ينحط مقامه، (وقال رجل لعبد الله بن عامر) بن ربيعة: (وكان أميرا) على البصرة ، (بلغني أن فلانا أعلم الأمير أني ذكرته بسوء، قال: قد كان ذلك. قال: فأخبرني بما قال لك حتى أظهر كذبه عندك. قال: ما أحب أن أشتم نفسي بلساني، وحسبي أني لم أصدقه فيما قال، ولا قطعت عنك الوصال) أي: مواصلة المودة، أو الصلة، أو هما معا، (وذكرت السعاية عند بعض الصالحين، فقال: ما ظنكم بقوم يحمد الصدق من كل طبقة من الناس إلا منهم) أي: من أهل السعاية؛ فإنهم ولو صدقوا فيما يقولونه فلا يحمد صدقهم، مع أن الصدق محمود على كل حال، ومن كل الناس، (وقال مصعب بن الزبير) بن العوام، قتله عبد الملك بن مروان سنة اثنتين وسبعين بمسكن في حد العراق : (نحن نرى قبول السعاية شرا من السعاية; لأن السعاية دلالة، والقبول إجازة، وليس من دل على شيء فأخبر به كمن قبله وأجازه، فاتقوا الساعي) ، أي: تحفظوا منه، (فلو كان في قوله صادقا لكان في صدقه لئيما، حيث لم يحفظ الحرمة، ولم يستر العورة، والسعاية هي النميمة، ألا إنها إذا كانت إلى من يخاف جانبه سميت سعاية) ، يقال: سعى به إلى الوالي، إذا مشى به إليه، (وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الساعي بالناس إلى الناس لغير رشدة. يعني: ليس بولد حلال ) ، قال أبو زيد الأنصاري : يقال: هو لرشدة، أي: صحيح النسب، بكسر الراء، والفتح لغة، قال العراقي : رواه الحاكم من حديث أبي موسى : "من سعى بالناس فهو لغير رشدة، أو فيه شيء منه ، وقال: له أسانيد، هذا أمثلها، قلت: فيه سهل بن عطية ، قال ابن طاهر في التذكرة: منكر الرواية، والحديث لا أصل له، وقد ذكر ابن حبان في الثقات سهل بن عطية ، ورواه الطبراني بلفظ: "لا يسعى على الناس إلا ولد بغي، وإلا من فيه عرق منه" ، وزاد بين سهل وبين بلال بن أبي بردة : أبا الوليد القرشي . اهـ .

قلت: ورواه ابن عساكر والديلمي بلفظ: إلا ولد زنا، (ودخل رجل على سليمان بن عبد الملك) بن مروان، (فاستأذن في الكلام، وقال: إني مكلمك يا أمير المؤمنين بكلام، فاحتمله وإن كرهته، فإن وراءه ما تحب إن قبلته. قال: قل. فقال: يا أمير المؤمنين، إنه قد اكتنفك) أي: أحاط بك، (رجال ابتاعوا) أي: اشتروا (دنياك بدينهم، ورضاك بسخط ربهم، خافوك في الله، ولم يخافوا الله فيك، فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه، ولا تصح إليهم فيما استحفظك الله إياه؛ فإنهم لن يألوا في الأمة) أي: لن يقصروا فيها (خسفا، والأمانة تضييعا، والأعراض قطعا وانتهاكا، أعلى قربهم) ، أي: أعلى ما يتقربون به إليك، (البغي والنميمة، وأجل وسائلهم الغيبة والوقيعة) في الناس، (وأنت مسؤول عما اجترحوا) ، أي: اكتسبوا، (وليسوا بمسؤولين عما اجترحت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك؛ فإن أعظم الناس غبنا بائع آخرته بدنيا غيره) أخرجه ابن أبي الدنيا في أخبار الخلفاء، (وسعى رجل بزياد بن الأعجم ) ، كذا في النسخ، والصواب بزياد الأعجم، وهو زياد بن سليم العبدي مولاهم أبو أمامة المعروف بالأعجم ، روى عن أبي موسى ، وعبد الله بن عمرو ، وعنه طاوس والمحبر بن قحذم ، شاعر مقبول، روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (إلى سليمان بن عبد الملك) بن مروان، (فجمع بينهم؛ للموافقة، فأقبل زياد على الرجل) الذي سعى فيه يقول:


( وأنت امرؤ إما ائتمنتك خاليا فخنت وإما قلت قولا بلا علم



[ ص: 567 ]

فأنت من الأمر الذي كان بيننا بمنزلة بين الملامة والإثم )



وفي نسخة: بين الخيانة والإثم، (وقال رجل لعمرو بن عبيد) بن باب التميمي، مولاهم البصري المعتزلي، كنيته أبو عثمان، كان داعية إلى بدعته، اتهمه جماعة مع أنه كان عابدا، قال أحمد : ليس بأهل أن يحدث عنه، وقال الوردي عن يحيى بن معين : ليس بشيء، روى له أبو داود في كتاب القدر، وابن ماجه في كتاب التفسير، (إن الأسواري ) بضم الهمزة، نسبة إلى الأساورة ، بطن من تميم ، (ما يزال يذكرك في قصصه بشر، فقال له عمرو : ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه، ولا أديت حقي حين أبلغتني عن أخي، ولكن أعلمه أن الموت يعمنا، والقبر يضمنا، والله يحكم بيننا، وهو خير الحاكمين. ورفع بعض السعاة إلى الصاحب) إسماعيل (بن عباد) بن العباس بن عباد الطالقاني، كان وزير الدولة، آل بويه، ووالده أبو الحسن عباد ممن سمع على جعفر الفريابي ، وعنه أبو الشيخ الأصبهاني ، توفي سنة 334، (رقعة نبه فيها على مال يتيم يحمله على أخذه لكثرته، فكتب على ظهرها) أي: الرقعة، ( السعاية قبيحة ، وإن كانت صحيحة، الميت رحمه الله، واليتيم جبره الله، والمال ثمره الله) أي: زاده نموا وفائدة وبركة، (والساعي لعنه الله. وقال لقمان الحكيم لابنه: يا بني، إني موصيك بخلال، إن تمسكت بهن لم تزل سيدا) أي: رئيسا على الأصحاب: (ابسط خلقك للقريب والبعيد، وأمسك جهلك عن الكريم واللئيم، واحفظ إخوانك، وصل أقاربك، وأمنهم من قبول قول ساع) أي: واش، (أو سماع باغ يريد فسادك، ويروم خداعك، وليكن إخوانك من إذا فارقتهم أو فارقوك لم تعبهم ولم يعيبوك. وقال بعضهم: النميمة مبنية على الكذب والحسد والنفاق، وهي) أي: الثلاثة، (أثافي الذل) جمع أثفية، وهي الأحجار الثلاثة التي توضع عليها القدر .

(وقال بعضهم: لو صح ما نقله النمام لكان هو المجترئ بالشتم عليك، والمنقول عنه أولى بحلمك) وعفوك; (لأنه لم يقابلك بشتمك) ، ومنه قولهم: ما بلغ المكروه إلا من نقل، (وعلى الجملة فشر النمام عظيم ينبغي أن يتوقى) ، ويتحفظ منه، (قال حماد بن سلمة) بن دينار البصري أبو سلمة، توفي سنة سبع وستين: (باع رجل عبدا، وقال للمشتري: ما فيه عيب إلا النميمة. قال: رضيت. فاشتراه، فمكث الغلام أياما ثم قال لزوجة مولاه: إن زوجك لا يحبك، وهو يريد أن يتسرى عليك، فخذي الموسى واحلقي من قفاه عند نومه شعرات حتى أسحره عليها فيحبك، ثم قال للزوج: إن امرأتك اتخذت خليلا، وتريد أن تقتلك، فتناوم لها حتى تعرف. فجاءت المرأة بالموسى، فظن أنها تقتله، فقام وقتلها، فجاء أهل المرأة وقتلوا الزوج، فوقع القتال بين القبيلتين، وطال الأمر) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت من طريق حماد بن سلمة ، عن حميد وهو الطويل ، فقال: حدثنا إبراهيم أبو إسحاق ، حدثني يزيد بن عوف ، حدثنا حماد بن سلمة عن حميد أن رجلا ساوم بعبد فقال مولاه: إني أبرأ إليك من النميمة، فقال: نعم، أنت بريء منها، قال: فاشتراه فجعل يقول لمولاه: إن امرأتك تبغي وتفعل، وإنها تريد أن تقتلك. ويقول للمرأة: إن زوجك يريد أن يتزوج عليك ويتسرى عليك، فإن أردت أن أعطفه عليك فلا يتزوج عليك ولا يتسرى، فخذي الموسى واحلقي شعرة من قفاه إذا نام. وقال للزوج: إنها تريد أن تقتلك إذا نمت. قال: فذهب فتناوم لها، وجاءت بموسى لتحلق شعرة من حلقه، فأخذ بيدها فقتلها، فجاء أهلها فاستعدوا عليه فقتلوه .



(تنبيه)

قد بقي ما أورده ابن أبي الدنيا في النميمة ، وهو على شرط المصنف، أخرج من طريق أبي الأحوص، عن أبي مسعود قال: إن محمدا صلى الله عليه وسلم كان يقول: "ألا أنبئكم بالعضه؟ هي النميمة، القالة بين الناس" .

وأخرج من حديث أنس : "من أكل بأخيه المسلم [ ص: 568 ] أكلة، أطعمه الله بها أكلة من النار، ومن لبس بأخيه المسلم ثوبا، ألبسه الله به ثوبا من النار، ومن قام بأخيه مقام رياء وسمعة، أقامه الله مقام رياء وسمعة .

وأخرج من طريق عبد الله بن زرير الغافقي عن علي رضي الله عنه قال: القائل الكلمة الزور والذي يمد بحبلها في الإثم سواء . وعن شبل بن عوف قال: كان يقال: من سمع بفاحشة فأفشاها فهو كالذي أبداها . ومن طريق أبي العالية قال: حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أتاني البارحة رجلان، فاكتنفاني، فانطلقا بي حتى مرا بي على رجل في يده كلاب يدخله في رجل فيشق شدقه حتى يبلغ لحييه، فيعود فيأخذ فيه، فقلت: من هذا؟ قال: هم الذين يسعون بالنميمة ، وعن عمرو بن ميمون قال: لما تعجل موسى عليه السلام إلى ربه رأى في ظل العرش رجلا، فغبطه بمكانه، وقال: إن هذا لكريم على ربه. فسأل ربه أن يخبره باسمه، فلم يخبره، فقال: أحدثك من أمره بثلاث; كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، وكان لا يعق والديه، ولا يمشي بالنميمة . وعن حكيم بن جابر قال: من أشاع فاحشة فهو كباديها. وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: كانت لنا جارية أعجمية، فحضرتها الوفاة، فجعلت تقول: هذا فلان يمرغ في الحماة. فلما ماتت سألنا عن الرجل، فقالوا: ما كان به بأس، إلا أنه كان يمشي بالنميمة. وعن يزيد بن قوذر عن كعب قال: اتقوا النميمة؛ فإن صاحبها لا يستريح من عذاب القبر .




الخدمات العلمية