الرابع : في [النجم : 1] : الكلام على النجم
صاحب القاموس : «في المطلع النجم الكوكب الطالع والجمع أنجم وأنجام ونجوم ونجم ، والنجم أيضا الثريا ، والنجم من النبات ما نجم على غير ساق ، والنجم الوقت المضروب» .
اللباب لابن عادل : «سمي الكوكب نجما لطلوعه ، وكل طالع نجما» ، يقال : نجم السن والقرن والنبت إذا طلع ، زاد : «ونجم فلان ببلد كذا أي خرج على السلطان» . القرطبي
ابن القيم : «اختلف الناس في المراد بالنجم ، فقال عن الكلبي : أقسم بالقرآن إذ أنزل نجوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم : أربع آيات وثلاث آيات والسورة ، وكان بين أوله وآخره عشرون سنة ، وكذلك روى ابن عباس عنه ، وهو قول عطاء مقاتل والضحاك واختاره ومجاهد ، الفراء» .
والهوي على هذا القول النزول من أعلى إلى أسفل ، وعلى هذا سمي القرآن نجما لتفرقه في النزول . والعرب تسمي التفرق تنجما والمتفرق منجما . ونجوم الكتابة أقساطها ، وتقول جعلت مالي على فلان نجوما منجمة ، كل نجم كذا وكذا . وأصل هذا أن العرب كانت تجعل مطالع منازل القمر ومساقطها مواقيت لحلول ديونها وآجالها ، فيقولون :
إذا طلع النجم - يريدون الثريا - حل عليك كذا ، ثم جعل كل نجم تفريقا وإن لم يكن موقتا بطلوع نجم .
قال الإمام الرازي : «ففي هذا القسم استدلال بمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم على صدقه ، وهو كقوله تعالى : يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين [يس : 1 ، 2 ، 3] وقال في رواية ابن عباس علي بن أبي طلحة وعطية : يعني الثريا إذا سقطت وغابت ، وهويها مغيبها ، وهو الرواية الأخرى عن مجاهد ، والعرب إذا أطلقت النجم تعني به الثريا ، قال الشاعر :
إذا طلع النجم عشاء ابتغى الراعي كساء
وفي الحديث : «ما طلع نجم قط وفي الأرض من العاهة شيء إلا ارتفع» ، رواه الإمام [ ص: 28 ] أحمد ، وأراد بالنجم الثريا . وهذا القول اختاره ابن جرير والزمخشري . وقال السمين إنه الصحيح ، لأن هذا صار علما بالغلبة» ، وقال عمر بن أبي ربيعة :أحسن النجم في السماء الثريا والثريا في الأرض زين النساء
وقال أبو حمزة ، بالحاء المهملة والزاي : «والثمالى - بضم المثلثة وتخفيف الميم وباللام : يعني النجوم إذا انتثرت يوم القيامة . وقيل أراد به الشعرى . وقال السدي والثوري :
«أراد به الزهرة» . وقال الأخفش : «أراد به النبت الذي لا ساق له ، ومنه قوله تعالى :
والنجم والشجر يسجدان [الرحمن : 6] وهويه سقوطه .
قال الإمام الرازي : «لأن النبات به نبات القوى الجسمانية وصلاحها ، والقوة العقلية أولى بالإصلاح ، وذلك بالرسل ، وإصلاح السبل ، ومن هذا يظهر أن المختار هو النجوم التي في السماء لأنها أظهر عند السامع . وقوله تعالى : إذا هوى أدل عليه ، ثم بعد ذلك القرآن لما فيه من الظهور ، ثم الثريا .
وقال جعفر بن محمد - رضي الله عنهما- ، كما نقله القاضي : «أراد به النبي- صلى الله عليه وسلم- إذ نزل ليلة المعراج والهوي النزول» .
صاحب السراج : «ويعجبني هذا التفسير لملاءمته من وجوه ، فإنه صلى الله عليه وسلم نجم هداية ، خصوصا لما هدي إليه من فرض الصلاة تلك الليلة ، وقد علمت منزلة الصلاة من الدين ، ومنها أنه أضاء في السماء والأرض . ومنها التشبيه بسرعة السير ، ومنها أنه كان ليلا ، وهو وقت ظهور النجم ، فهو لا يخفى على ذي بصر وأما أرباب البصائر فلا يمترون كأبي بكر الصديق- رضي الله عنه» . انتهى .
وقال في رواية عنه : «نجوم السماء كلها» . وجزم مجاهد وقال : ذهب إلى لفظ الواحد بمعنى الجمع ، قال الشاعر : أبو عبيدة
فبانت تعد النجم في مستحيرة
أي تعد النجوم . قال : «وهذا القول له وجه ، ولكن لا أعلم أحدا من أهل التأويل قاله» . انتهى . [ ص: 29 ] ابن جرير
قلت : قد تقدم نقله عن مجاهد ، ونقله عن الماوردي الحسن أيضا . وقال الإمام الرازي :
«ومناسبة ذلك أن النجوم يهتدى بها فأقسم بها لما بينهما من المشابهة والمناسبة» .
وقال في رواية ابن عباس عكرمة : أراد التي ترمى بها الشياطين إذا سقطت في آثارها عند استراق السمع . وهذا قول أبي الحسن الماوردي . وسببه أن الله تعالى لما أراد بعث محمد صلى الله عليه وسلم رسولا ، كثر انقضاض الكواكب قبل مولده ، فذعر أكثر العرب منها وفزعوا إلى كاهن ، كان يخبرهم بالحوادث ، فسألوه عنها فقال : انظروا إلى البروج الاثني عشر فإن انقض منها شيء فهو ذهاب الدنيا ، وإن لم ينقض منها شيء فسيحدث في الدنيا أمر عظيم ، فاستشعروا ذلك ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الأمر العظيم الذي استشعروه ، فأنزل الله تعالى : والنجم إذا هوى ، هوى لهذه النبوة التي حدثت .
الإمام الرازي : «إن الرجوم تبعد الشياطين عن أهل السماء والأنبياء يبعدون الشياطين عن أهل الأرض .
ابن القيم : «وهذه الرواية عن أظهر الأقوال ، ويكون الحق سبحانه وتعالى قد أقسم بهذه الآية الظاهرة المشاهدة التي نصبها آية وحفظا للوحي من استراق الشياطين له ، على أن ما أتى به رسولا حق وصدق لا سبيل للشياطين ولا طريق لهم إليه ، بل قد حرس بالنجم إذا هوى رصدا بين يدي الوحي وحرسا له ، وعلى هذا فالارتباط بين المقسم به والمقسم عليه في غاية الظهور ، وفي المقسم به دليل على المقسم عليه ، فإن النجوم التي ترمى بها الشياطين آيات من آيات الله تعالى ، يحفظ بها دينه ووحيه ، وآياته المنزلة على رسله ، بها ظهر دينه وشرعه ، وأسماؤه وصفاته . وجعلت هذه النجوم المشاهدة خدما وحرسا لهذه النجوم الهادية . ابن عباس
وليس بالبين تسمية القرآن عند نزوله بالنجم إذا هوى ، ولا تسمية نزوله هويا ، ولا عهد في القرآن بذلك فيحمل هذا اللفظ عليه وليس بالبين أيضا تخصيص هذا القسم بالثريا وحدها إذا غابت ، وليس بالبين القسم بالنجوم عند تناثرها يوم القيامة ، بل هذا مما يقسم الرب عليه ، ويدل عليه بآياته ، فلا يجعله نفسه دليلا لعدم ظهوره للمخاطبين ولا سيما منكرو البعث . فإنه سبحانه وتعالى إنما يستدل بما لا يمكن جحده ولا المكابرة فيه ، فأظهر الأقوال قول الحسن وابن كثير وهذا القول له اتجاه» .