الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب التاسع : في سؤالهم عن أشياء لا يعرفها إلا نبي وجوابه لهم وتصديقهم إياه بأنه أصاب وتمردهم عن الإيمان به

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن إسحاق والطيالسي والفريابي والإمام أحمد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، والبيهقي ، وأبو نعيم عن غيرهم بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما ، والبخاري في تاريخه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طريق آخر عنه مختصرا ، قال : "حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنها لا يعلمها إلا نبي . قال :

                                                                                                                                                                                                                              "سلوني عما شئتم ، ولكن اجعلوا لي ذمة الله عز وجل ، وما أخذ يعقوب على بنيه لئن حدثتكم شيئا لتبايعني" . قالوا : فذلك لك . قالوا : أربع خلال نسألك عنها : أخبرنا أي طعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ وأخبرنا كيف ماء الرجل من ماء المرأة ، وكيف الأنثى منه والذكر؟ وأخبرنا كيف هذا النبي الأمي في النوم ومن يليه من الملائكة؟ وأخبرنا ما هذا الرعد؟

                                                                                                                                                                                                                              فأخذ عليهم عهد الله وميثاقه : "لئن أخبرتكم لتبايعني" . فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق . قال :

                                                                                                                                                                                                                              فأنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى : هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا طال سقمه فنذر لئن عافاه الله عز وجل ليحرمن أحب الطعام والشراب ، وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل ، وأحب الشراب إليه ألبانها" ، وفي رواية : كان يسكن البادية ، فاشتكى عرق النسا ، فلم يجد شيئا يداويه إلا لحوم الإبل وألبانها . فقالوا : اللهم نعم ، اللهم اشهد . وقال : "أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق ، فأيهما علا كان الولد والشبه بإذن الله عز وجل : إن علا ماء الرجل كان ذكرا بإذن الله تعالى ، وإن علا ماء المرأة كان أنثى بإذن الله تعالى" . قالوا : اللهم نعم اللهم اشهد . قال : "فأنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن النبي الأمي تنام عينه ولا ينام قلبه؟ قالوا : اللهم نعم اللهم اشهد .

                                                                                                                                                                                                                              قالوا : أنت الآن حدثنا من وليك من الملائكة؟ فعندها نجامعك أو نفارقك قال : "وليي جبريل ، ولم يبعث الله عز وجل نبيا قط إلا وهو وليه" . قالوا : فعندها نفارقك ، لو كان وليك سواه من الملائكة لاتبعناك وصدقناك . قال : "فما يمنعكم أن تصدقوني" ؟ قالوا : هذا عدونا من الملائكة .

                                                                                                                                                                                                                              فأنزل الله عز وجل : قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله [البقرة 97] . ونزلت : فباءوا بغضب على غضب
                                                                                                                                                                                                                              [البقرة 90] . وفي رواية فقالوا : يا أبا القاسم نسألك عن خمسة أشياء . وذكر نحو ما تقدم . وزاد :

                                                                                                                                                                                                                              قالوا : أخبرنا عن هذا الرعد . قال : [ ص: 403 ] "ملك من ملائكة الله عز وجل ، موكل بالحساب ، بيده- أو قال : في يده- مخراق من نار يزجر به السحاب فيسوقه حيث أمره الله" . قالوا : فما هذا الصوت؟ قال : "صوته" . قالوا : صدقت .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والبزار ، والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه أن يهوديا قال : يا محمد مم يخلق الإنسان؟ قال : "يا يهودي ، يخلق من كل من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة ، أما نطفة الرجل فنطفة غليظة منها العظم والعصب ، وأما نطفة المرأة فنطفة رقيقة منها اللحم والدم" . فقال اليهودي : هكذا كان يقول من كان قبلك .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، والحاكم وصححه ، والبيهقي ، وأبو نعيم عن صفوان بن عسال- بعين فسين مشددة مفتوحتين مهملتين- قال : "قال يهودي لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي فنسأله . فقال له صاحبه : لا تقل نبي ، فإنه لو سمعك تقول نبي كان له أربعة أعين ، فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن قول الله عز وجل : ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات [الإسراء 101] فقال : "لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تزنوا ، ولا تسرقوا ، ولا تسحروا ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تقذفوا محصنة ، ولا تفروا من الزحف ، وعليكم يا معشر اليهود خاصة ألا تعدوا في السبت" .

                                                                                                                                                                                                                              فقبلا يديه ورجليه وقالا : "نشهد أنك نبي" . قال : "فما يمنعكما أن تسلما" ؟ فقالا : "إن داود دعا الله ألا يزال في ذريته نبي ، وإنا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا يهود" .


                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء حبر من اليهود فقال : أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "في ظلمة دون الجسر" .

                                                                                                                                                                                                                              قال : فمن أول الناس إجازة؟ قال : "فقراء المهاجرين" . فقال : فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟

                                                                                                                                                                                                                              قال : "زيادة كبد نون" . قال : "فما غذاؤهم على أثره" ؟ قال : "ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها" . قال : فما شرابهم عليه؟ قال : "من عين فيها تسمى سلسبيلا" . قال :

                                                                                                                                                                                                                              صدقت .

                                                                                                                                                                                                                              قال : وجئت أسأل عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان ، [ ص: 404 ] جئت أسأل عن الولد . قال : "ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة فذكر بإذن الله عز وجل ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل فأنثى بإذن الله عز وجل" .

                                                                                                                                                                                                                              قال اليهودي : صدقت وإنك لنبي . ثم انصرف . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنه سألني عن هذا الذي سألني عنه ، وما أعلم شيئا منه حتى أنبأني الله عز وجل"
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة ، وأحمد بن منيع ، وعبد بن حميد ، والنسائي في "الكبرى" ، والطبراني بسند صحيح عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : جاء رجل من اليهود يقال له ثعلبة بن الحارث فقال : يا أبا القاسم أتزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟ وقال اليهودي لأصحابه : إن أقر بها خصمته . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تؤمن بشجر المسك" ؟ قال : نعم . قال :

                                                                                                                                                                                                                              "وتجدها في كتابكم" ؟ قال : نعم . قال : "والذي نفسي بيده إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل إلى المطعم والمشرب والجماع" . فقال اليهودي : الذي يأكل ويشرب يكون له الحاجة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "حاجتهم عرق يفيض من جلودهم مثل ريح المسك ، فتضمر بطونهم"
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى سعيد بن منصور وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبزار ، والحاكم ، والبيهقي ، وابن جرير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم يهودي فقال :

                                                                                                                                                                                                                              يا محمد ، أخبرني عن النجوم التي رآها يوسف عليه السلام ساجدة له ما أسماؤها؟ فلم يجبه بشيء . فنزل عليه جبريل فأخبره [بأسمائها] . فبعث إلى اليهودي وقال له : "أتسلم إن أخبرتك بأسمائها" ؟ قال : نعم ، فقال : " [هي] : حرثان وطارق والذيال وذو الكنفات وذو الفرغ ووثاب وعمودان وقابس والضروج والمصبح والفليق والضياء والنور . رآها يوسف عليه السلام في أفق السماء ساجدة له" .

                                                                                                                                                                                                                              فقال اليهودي : هذه والله أسماؤها .
                                                                                                                                                                                                                              قال الحكم بن ظهير أحد رواته :

                                                                                                                                                                                                                              الضياء هو الشمس وهو أبوه ، والنور هو القمر وهي أمه . قال الحافظ في حاشية كتبها على "مجمع الزوائد" : رأيت في نسخة مصححة أنه من ضعفاء العقيلي .

                                                                                                                                                                                                                              بيان غريب ما سبق :

                                                                                                                                                                                                                              "حرثان" بمهملة مفتوحة ثم مثلثة .

                                                                                                                                                                                                                              "الذيال" : بمعجمة ثم تحتية ثقيلة . [ ص: 405 ]

                                                                                                                                                                                                                              "الكنفات" بنون ففاء وآخره مثناة .

                                                                                                                                                                                                                              "الفرغ" [بفاء وراء ثم غين معجمة] .

                                                                                                                                                                                                                              "عمودان" [بلفظ تثنية عمود] .

                                                                                                                                                                                                                              "قابس" : بقاف وموحدة ثم مهملة .

                                                                                                                                                                                                                              "الضروج" : بفتح الضاد المعجمة وآخره جيم .

                                                                                                                                                                                                                              "المصبح" : بضم الميم ثم فتح المهملة ثم موحدة مثقلة ثم مهملة .

                                                                                                                                                                                                                              "الفليق" : [بالفاء واللام والمثناة التحتية فقاف] . [ ص: 406 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية