[النجم : 11] .
ابن القيم : «أخبر الله تعالى عن تصديق فؤاده لما رأته عيناه ، وأن القلب صدق العين . [ ص: 45 ]
وليس كمن رأى شيئا على خلاف ما هو به ، فكذب فؤاده بصره ، بل ما رآه ببصره صدقه الفؤاد وعلم أنه كذلك . يقال كذبته عينه وكذبه قلبه وكذبه جسده إذا أخلف ما ظنه وحدسه . قال الشاعر :
كذبتك عينك أم رأيت بواسط غلس الظلام من الرباب خيالا ؟
أي أرتك ما لا حقيقة له . فنفى الله تعالى هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبر أن فؤاده لم يكذب ما رآه» .: «في الفؤاد قولان : أحدهما : أنه أراد صاحب الفؤاد ، فعبر عنه بالفؤاد ، لأنه قطب الجسد وبه قوام الحياة . الثاني : أنه أراد نفس الفؤاد لأنه محل الاعتقاد» . الماوردي
اللباب : «قرأ هشام وأبو جعفر بتشديد الذال من «كذب» ، والباقون بتخفيفها . فأما الأولى فإن معناها أن ما رآه محمد صلى الله عليه وسلم بعينه صدقه قلبه ، ولم ينكر الداري «أل» لتعريف ما علم حاله لسبق ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في قوله : إلى عبده » وفي قوله وهو بالأفق الأعلى وقوله ما ضل صاحبكم ، أي لم يقل إنه خيال لا حقيقة . و«ما» الثانية مفعول له موصولة ، والعائد محذوف ، ففاعل «رأى» ضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما قراءة التخفيف فقيل فيها كذلك . وكذب يتعدى بنفسه . وقيل هو على إسقاط الخافض أي فيما رآه ، قاله مكي وغيره . قال رضي الله تعالى عنه : حسان بن ثابت
لو كنت صادقة الذي حدثتني لنجوت منجا الحارث بن هشام
ابن القيم : فيكون المعنى : ما كذب فؤاده رؤيته ، وعلى التقديرين فهو إخبار عن تطابق رؤية القلب لرؤية البصر وتوافقهما ، وتصديق كل واحد منهما لصاحبه ، وهذا ظاهر في قراءة التشديد . وقد استشكلها طائفة منهم المبرد ، وقال في هذه القراءة بعد ، لأنه إذا رأى بقلبه فقد علمه أيضا بقلبه ، وإذا وقع العلم فلا كذب معه ، فإذا كان الشيء في القلب معلوما فكيف يكون معه تكذيب؟ .
والجواب عن هذا من وجهين : أحدهما : أن الرجل قد يتخيل الشيء على خلاف ما هو به فيكذبه قلبه ، إذ يريه صورة المعلوم على خلاف ما هي عليه كما تكذبه عينه ، فيقال كذبه قلبه وكذبه ظنه وكذبته عينه ، فنفى ذلك سبحانه وتعالى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبر أن ما رآه الفؤاد كما رآه ، كمن يرى الشيء على حقيقة ما هو به ، فإنه يصح أن يقال لم تكذبه عينه .
الثاني : أن يكون الضمير في «رأى» عائدا إلى الرائي لا إلى الفؤاد ، ويكون المعنى : ما كذب الفؤاد ما رآه البصر ، وهذا بحمد الله لا إشكال فيه ، والمعنى : ما كذب الفؤاد بل صدقه ، وعلى القراءتين فالمعنى : ما أوهمه الفؤاد أنه رأى ولم ير ولا اتهم بصره» . انتهى .
اللباب تبعا للإمام الرازي : «ويجوز أن يكون فاعل «رأى» ضميرا يعود على الفؤاد [أي] لم يشك قلبه فيما رأى بعينه» . قال : [ما كذب فؤاد الزمخشري محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه ببصره من صورة جبريل عليه السلام ، أي ما قال فؤاده ، لما رآه : لم أعرفه ولو قال ذلك لكان كاذبا ، لأنه عرفه ، يعني أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه ولم يشك في أن ما رآه حق] .
فما كذب الفؤاد ، هذا على قراءة التخفيف ، يقال كذبه إذا قال له الكذب ، وأما على قراءة التشديد فمعناه : ما قال إن الذي رآه كان خفيا لا حقيقة له . وأما الرائي فقيل هو الفؤاد كأنه تعالى قال : ما كذب الفؤاد ما رآه الفؤاد ، أي لم يقل إنه جن أو شيطان ، بل تيقن أن ما رآه بفؤاده صدق صحيح . وقيل الرائي هو البصر أي ما كذب الفؤاد ما رآه البصر ، ولم يتدارك أن ما رآه البصر خيال . ويحتمل أن تكون «أل» للجنس أي جنس الفؤاد ، ويكون المعنى : ما كذب الفؤاد ما رأى محمد صلى الله عليه وسلم ، أي شهدت القلوب بصحة ما رآه محمد صلى الله عليه وسلم .
واختلفوا في المرئي ما هو؟ فقال رضي الله تعالى عنه : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود جبريل عليه حلتا رفرف أخضر قد ملآ ما بين السماء والأرض . رواه الفريابي وصححه . وقيل رأى الآيات العجيبة . وقال والترمذي رضي الله تعالى عنهما : رأى ربه بفؤاده مرتين ، رواه ابن عباس وغيره . وسيأتي الكلام على رؤية الله تعالى في الباب الثالث . مسلم