التنبيه السابع عشر :
قيل : وأجاب كيف يصلي الأنبياء وهم أموات في الدار الآخرة وليست [ ص: 113 ] دار عمل؟ القاضي وتبعه السبكي بجوابين : الأول : إنا نقول : إنهم كالشهداء بل أفضل ، والشهداء أحياء عند ربهم ، فلا يبعد أن يحجوا وأن يصلوا كما ورد في الحديث الآخر ، وأن يتقربوا إلى الله تعالى بما استطاعوا لأنهم وإن كانوا قد توفوا فهم في هذه الدنيا التي هي دار العمل حتى إذا فنيت مدتها ، وتعقبها الآخرة التي هي دار الجزاء انقطع العمل ، وحاصله أن البرزخ ينسحب عليه حكم الدنيا في استكثارهم من الأعمال وزيادة الأجور . الثاني ولفظه للسبكي رحمه الله تعالى : «إنا نقول إن المنقطع في الآخرة إنما هو التكليف ، وقد تحصل الأعمال من غير تكليف على سبيل التلذذ بها والخضوع لله تعالى . ولهذا ورد أنهم يسبحون ويدعون ويقرؤون القرآن وانظر إلى سجود النبي صلى الله عليه وسلم وقت الشفاعة ، أليس ذلك عبادة وعملا؟
وعلى كلا الجوابين لا يمتنع حصول هذه الأعمال في مدة البرزخ» .
وقد صح عن التابعي أنه قال : «اللهم إن كنت أعطيت أحدا أن يصلي في قبره فأعطني ذلك» . فرؤي بعد موته يصلي في قبره ، ويكفي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ثابت البناني لموسى قائما يصلي في قبره ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء لم يقبضوا حتى خيروا بين البقاء في الدنيا وبين الآخرة فاختاروا الآخرة . ولا شك أنهم لو بقوا في الدنيا لازدادوا من الأعمال الصالحة ثم انتقلوا إلى الجنة ، فلو لم يعلموا أن انتقالهم إلى الله تعالى أفضل لما اختاروه ، ولو كان انتقالهم من هذه الدار يفوت عليهم زيادة فيما يقرب إلى الله تعالى لما اختاروه . انتهى ولهذا مزيد بيان يأتي في باب حياته في قبره صلى الله عليه وسلم .