التنبيه الثامن والعشرون :
لا يتوهم بما تسمعه في قصة المعراج من الصعود والهبوط أن بين العبد وربه مسافة ، فإن ذلك كفر ، نعوذ بالله من ذلك ، وإنما هذا الصعود والهبوط بالنسبة إلى العبد لا إلى الرب ، والنبي صلى الله عليه وسلم مع انتهائه ليلتئذ إلى أن كان قاب قوسين أو أدنى ، لم يجاوز مقام العبودية ، وكان هو ونبي الله يونس بن متى صلى الله عليه وسلم إذا التقمه الحوت وذهب به إلى البحار يشقها حتى انتهى به إلى قرار البحر ، في مباينة الله تعالى خلقه وعدم الجهة والتحيز والحد والإحاطة سواء . وقد ذهب به مسيرة ستة آلاف سنة ذكره الإمام وغيره . البغوي
وإذا علمت ذلك فالمراد بترقيه صلى الله عليه وسلم وقطع هذه المسافات إظهار مكانته عند أهل [ ص: 117 ]
السماوات وأنه أفضل المخلوقات . ويقوي هذا المراد بكونه أركبه البراق ونصب له المعراج وجعله إماما للنبيين والملائكة ، مع أنه تعالى قادر على أن يرفعه بدون البراق والمعراج .
فإن قالوا قديما جاهروا بقدم العالم وأدى ذلك إلى محالين : أحدهما أن يكون مع الباري تعالى في الأزل غيره ، والقديمان ليس أحدهما بأن يكون مكانا للثاني بأولى من الآخر . ثانيهما أن الجهة والمكان إما أن يكونا جسمين ، وهذا يؤدي إلى جواز وجود الأجساد كلها ، وهو قول من قال بقدم العالم ، نعوذ بالله من ذلك . وإن قالوا : محدث ، قل فقد صدقتم بأن الرب تعالى كان موجودا أولا ولا جهة ، والمستحيل [لا] ينقلب جائزا أو واجبا لأن الحادث لا يحتاج إليه القديم ، فإنه قبل كونه كان مستغنيا عنه ، وهو على استغنائه عنه لم يزل وكذلك لا يزال ، ومحال أن يكون خالق الكل مفتقرا إلى بعض مخلوقاته . وما ورد من الاستواء والنزول وغير ذلك من ويقال لأصحاب الجهة : إنما منعكم من اعتقاد الحق استبعادكم موجودا إلا في جهة ، فأحلتم ذلك . فأخبرونا عن العرش والفوق هل ذلك قديم؟ أو محدث؟ ولا نشبهه تعالى بخلقه ولا ننفي الصفات التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسول الله صلى الله عليه وسلم . الصفات التي يشكل إجراؤها على ظاهرها ، نؤمن به ونكل علم معناه إلى الله تعالى ،